للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للبشر، ومثله أبعد شيء من الريب. وأما قولهم افْتَراهُ فإما قول متعنت مع علمه أنه من الله لظهور الإعجاز له، أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ

كقوله: ما أنذر آباؤهم، وذلك أن قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا «١» قبل محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة. قلت: أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم، لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ فيه وجهان: أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام، وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة.

[[سورة السجده (٣٢) : آية ٤]]

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤)

فإن قلت: ما معنى قوله ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ؟ قلت: هو على معنيين، أحدهما: أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليا، أى: ناصرا ينصركم ولا شفيعا يشفع لكم. والثاني: أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم، وشفيعكم أى ناصركم على سبيل المجاز، لأن الشفيع ينصر المشفوع له، فهو كقوله تعالى وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ فإذا خذلكم لم يبق لكم ولىّ ولا نصير.

[[سورة السجده (٣٢) : آية ٥]]

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥)

الْأَمْرَ المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبرا مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصا كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة، لقلة عمال الله والخلص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص


(١) . قال محمود: «يعنى قريشا لأنها لم يبعث لها نبى قط. فان قلت: إن لم يتقدم بعث نبى إليهم فيما قامت عليهم الحجة. قلت: قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل لا سبيل إليه. وأما قيامها بمعرفة الله تعالى وتوحيده وحكمته فنعم، لأن أدلة العقل معهم في كل زمان» قال أحمد: مذهب أهل السنة: أنه لا يدرك علم شيء من أحكام الله تعالى التكليفية إلا بالشرع وما ذكره الزمخشري تفريع على قاعدة التحسين والتقبيح بالعقل، وقد مجها السمع فلم يبح بها القلم، فأعرض عنه حتى يخوض في حديث غيره. وإنما قامت الحجة على العرب يمن تقدم من الرسل إليهم كأبيهم إسماعيل وغيره، والمراد بقوله تعالى ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ يعنى ذرية العرب في زمانه عليه الصلاة والسلام، إذ لم يبعث إليهم نذير معاصر، فلطف الله تعالى بهم وبعث فيهم رسولا منهم.