للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمْ منقطعة. والضمير في افْتَراهُ لما يوحى إليك. تحداهم أوّلا بعشر سور، ثم بسورة واحدة، كما يقول المخابر في الخط لصاحبه: اكتب عشرة أسطر نحو ما أكتب، فإذا تبين له العجز عن مثل خطه قال: قد اقتصرت منك على سطر واحد مِثْلِهِ بمعنى أمثاله، ذهاباً إلى مماثلة كل واحدة منها له مُفْتَرَياتٍ صفة لعشر سور. لما قالوا: افتريت القرآن واختلقته من عند نفسك وليس من عند الله، قاودهم «١» على دعواهم وأرخى معهم العنان وقال: هبوا أنى اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلىّ وأنّ الأمر كما قلتم، فأتوا أنتم أيضاً بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم، فأنتم عرب فصحاء مثلي لا تعجزون عن مثل ما أقدر عليه من الكلام. فإن قلت:

كيف يكون ما يأتون به مثله، وما يأتون به مفترى وهذا غير مفترى؟ قلت: معناه مثله في حسن البيان والنظم وإن كان مفترى.

[[سورة هود (١١) : آية ١٤]]

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)

فإن قلت: ما وجه جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله لَكُمْ فَاعْلَمُوا بعد قوله قُلْ؟

قلت: معناه: فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يتحدّونهم، وقد قال في موضع آخر: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله:

فَإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ «٢»

ووجه آخر: وهو أن يكون الخطاب للمشركين، والضمير في فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لمن استطعتم، يعنى: فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أى أنزل ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله، من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه وَاعلموا عند ذلك أَنْ لا إِلهَ إِلَّا الله وحده، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة، وهذا وجه حسن مطرد. ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه، وازدادوا يقيناً وثبات قدم على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد.

ومعنى فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فهل أنتم مخلصون؟


(١) . قوله «قاودهم» ضمن معنى وافقهم وسايرهم. (ع)
(٢) . مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص ٢٩٤ فراجعه إن شئت. اه مصححه.