للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابه، جعلوا محاجتهم به، وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند اللَّه. ألا تراك تقول: هو في كتاب اللَّه هكذا. وهو عند اللَّه هكذا، بمعنى واحد يَعْلَمُ جميع ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ التوراة إِلَّا أَمانِيَّ إلا ما هم عليه من أمانيهم، وأن اللَّه يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم وما تمنيهم أحبارهم من أنّ النار لا تمسهم إلا أياما معدودة. وقيل: إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد. قال أعرابى لابن دأب في شيء حدث به: أهذا شيء رويته، أم تمنيته، أم اختلقته «١» وقيل: إلا ما يقرؤن من قوله:

تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ «٢»

والاشتقاق من منى إذا قدّر، لأن المتمنى يقدّر في نفسه ويحزر ما يتمناه، وكذلك المختلق والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا. وإلا أمانىّ: من الاستثناء المنقطع. وقرئ: أمانى، بالتخفيف. ذكر العلماء الذين عاندوا بالتحريف مع العلم والاستيقان، ثم العوامّ الذين قلدوهم، ونبه على أنهم في الضلال سواء، لأن العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكن من العلم. يَكْتُبُونَ الْكِتابَ المحرّف بِأَيْدِيهِمْ «٣» تأكيد، وهو


(١) . قوله «أم تمنيته أم اختلفته» لعله أى أم الخ (ع)
(٢) .
تمنى كتاب اللَّه أول ليلة … تمنى داود الزبور على رسل
لحسان بن ثابت في مرثية عثمان بن عفان رضى اللَّه عنهما. يقول: تمنى كتاب اللَّه، أى تلاه وتابع في تلاوته كتمني داود عليه السلام الزبور: أى كتلاوته الزبور على رسل بالكسر: أى تؤدة وسكينة. وروى بدل الشطر الثاني
وآخرها لاقى حمام المقادر
والحمام: الموت، لأنه مقدر، من حم اللَّه الشيء: قدره.
(٣) . قال محمود: «إن قلت: ما فائدة قوله بأيديهم … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: وربما قال الزمخشري في مثل هذا: إن فائدته تصوير الحالة في النفس كما وقعت، حتى يكاد السامع لذلك أن يكون مشاهداً للهيئة.