للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذهب. قلت: هب أنه قيل: وحلوا أساور من ذهب ومن فضة، وهذا صحيح لا إشكال فيه، على أنهم يسوّرون بالجنسين: إما على المعاقبة، وإما على الجمع، كما تزاوج نساء الدنيا بين أنواع الحلي وتجمع بينها، وما أحسن بالمعصم أن يكون فيه سواران: سوار من ذهب، وسوار من فضة شَراباً طَهُوراً ليس برجس كخمر الدنيا، لأنّ كونها رجسا بالشرع لا بالعقل، وليست الدار دار تكليف. أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدى الوضرة «١» ، وتدوسه الأقدام الدنسة، ولم يجعل في الدنان والأباريق التي لم يعن بتنظيفها. أو لأنه لا يئول إلى النجاسة لأنه يرشح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك. أى: يقال لأهل الجنة إِنَّ هذا وهذا إشارة إلى ما تقدّم من عطاء الله لهم: ما جوزيتم به على أعمالكم وشكر به سعيكم، والشكر مجاز.

[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦)

تكرير الضمير بعد إيقاعه اسما لإنّ: تأكيد على تأكيد لمعنى اختصاص الله بالتنزيل، ليتقرّر في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تنزيله على أى وجه نزل إلا حكمة وصوابا، كأنه قيل: ما نزّل عليك القرآن تنزيلا مفرقا منجما إلا أنا لا غيرى، وقد عرفتني حكيما فاعلا لكل ما أفعله بدواعى الحكمة، ولقد دعتني حكمة بالغة إلى أن أنزل عليك الأمر بالمكافة والمصابرة، وسأنزل عليك الأمر بالقتال والانتقام بعد حين فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ الصادر عن الحكمة وتعليقه الأمور بالمصالح، وتأخيره نصرتك على أعدائك من أهل مكة، ولا تطع منهم أحدا قلة صبر منك على أذاهم وضجرا من تأخر الظفر، وكانوا مع إفراطهم في العداوة والإيذاء له ولمن معه يدعونه إلى أن يرجع عن أمره ويبذلون له أموالهم وتزويج أكرم بناتهم إن أجابهم. فإن قلت: كانوا كلهم كفرة، فما معنى القسمة في قوله آثِماً أَوْ كَفُوراً؟ قلت: معناه ولا تطع منهم راكبا لما هو إثم داعيا لك إليه. أو فاعلا لما هو كفر داعيا لك إليه، لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر، أو غير إثم ولا كفر، فنهى أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث. وقيل: الآثم عتبة، والكفور:

الوليد، لأنّ عتبة كان ركابا للمآثم، متعاطيا لأنواع الفسوق، وكان الوليد غالبا في الكفر


(١) . قوله «فتمسه الأبدى الوضرة» من الوضر: وهو الدرن والدسم. أفاده الصحاح. (ع)