للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ترك العدل، ثم استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله: (هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أى العدل أقرب إلى التقوى، وأدخل في مناسبتها. أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفا فيها. وفيه تنبيه عظيم على أن وجود العدل مع الكفار الذين هم أعداء اللَّه إذا كان بهذه الصفة من القوة، فما الظنّ بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه؟ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ بيان للوعد بعد تمام الكلام قبله، كأنه قال: قدّم لهم وعداً فقيل: أى شيء وعده لهم؟ فقيل: لهم مغفرة وأجر عظيم. أو يكون على إرادة القول بمعنى وعدهم وقال لهم مغفرة. أو على إجراء وعد مجرى قال: لأنه ضرب من القول. أو يجعل وعد واقعاً على الجملة التي هي لهم مغفرة، كما وقع (تركنا) على قوله: (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) كأنه قيل: وعدهم هذا القول وإذا وعدهم من لا يخلف الميعاد هذا القول، فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والأجر العظيم.

وهذا القول يتلقون به عند الموت ويوم القيامة، فيسرون به ويستروحون إليه ويهوّن عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى الثواب.

[[سورة المائدة (٥) : آية ١١]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)

روى أن المشركين رأوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا، وذلك بعسفان في غزوة ذى أنمار. فلما صلوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم، فقالوا: إنّ لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، يعنون صلاة العصر وهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها. فنزل جبريل بصلاة الخوف «١» . وروى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بنى قريظة ومعه الشيخان وعلىّ رضى اللَّه عنهم يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، اجلس حتى نطعمك ونقرضك، فأجلسوه في


(١) . أخرجه الطبري من رواية النضر بن عمر عن عكرمة عن ابن عباس بتغير فيه، ولفظه قال «خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزاة. فلقى المشركين بعسقلان، فلما صلى الظهر فرأوه يركع ويسجد قال بعضهم لبعض:
كان فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علوا بكم قال قائل منهم: فان لهم صلاة أخرى» والباقي نحوه. وأصله في مسلم من رواية أبى الزبير عن جابر «غزونا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديداً فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم لاقتطعناهم فقالوا: إنهم سيأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولى فأخبر جبريل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر ذلك لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فلما حضرت العصر صففنا صفين- الحديث» وللترمذي والنسائي من طريق عبد اللَّه بن شقيق عن أبى هريرة نحوه.