للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة هود (١١) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥)

الرَّوْعُ ما أوجس من الخيفة. حين نكر أضيافه. والمعنى: أنه لما اطمأن قلبه بعد الخوف ومليء سرورا بسبب البشرى بدل الغم، فرغ للمجادلة، فإن قلت: أين جواب لما؟

قلت: هو محذوف كما حذف قوله فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا وقوله يُجادِلُنا كلام مستأنف دال على الجواب. وتقديره: اجترأ على خطابنا، أو فطن لمجادلتنا، أو قال: كيت وكيت:

ثم ابتدأ فقال يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ وقيل في يُجادِلُنا: هو جواب لما، وإنما جيء به مضارعاً لحكاية الحال: وقيل: إن «لما» ترد المضارع إلى معنى الماضي، كما تردّ «إن» الماضي إلى معنى الاستقبال، وقيل: معناه أخذ يجادلنا، وأقبل يجادلنا. والمعنى: يجادل رسلنا. ومجادلته إياهم أنهم قالوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ فقال: أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها؟ قالوا: لا. قال: فأربعون؟ قالوا: لا. قال: فثلاثون؟ قالوا: لا.

حتى بلغ العشرة. قالوا: لا. قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا.

فعند ذلك قال إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ. فِي قَوْمِ لُوطٍ في معناهم. وعن ابن عباس: قالوا له: إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب. وعن قتادة:

ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير «١» . وقيل: كان فيها أربعة آلاف ألف إنسان إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ غير عجول على كل من أساء إليه أَوَّاهٌ كثير التأوّه من الذنوب مُنِيبٌ تائب راجع إلى الله بما يحب ويرضى. وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة، فبين أنّ ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب، ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والإنابة كما حمله على الاستغفار لأبيه.

[[سورة هود (١١) : آية ٧٦]]

يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)

يا إِبْراهِيمُ على إرادة القول: أى قالت له الملائكة أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك، فلا فائدة فيه إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وهو قضاؤه وحكمه الذي لا يصدر إلا عن صواب وحكمة، والعذاب نازل بالقوم لا محالة، لا مردّ له بحدال ولا دعاء ولا غير ذلك.


(١) . قوله «عشرة فيهم خير» لعله عشرة يصلون. (ع)