للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأقاويل بخلاف ذلك. والمسجد الأقصى: بيت المقدس، لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد بارَكْنا حَوْلَهُ يريد بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى ومهبط الوحى، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة. وقرأ الحسن: ليريه بالياء، ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم «فقيل: أسرى ثم باركنا ثم ليريه، على قراءة الحسن، ثم من آياتنا، ثم إنه هو، وهي طريقة الالتفات التي هي من طرق البلاغة إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد الْبَصِيرُ بأفعاله، العالم بتهذبها وخلوصها، فيكرمه ويقرّبه على حسب ذلك.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٣]

وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)

أَلَّا تَتَّخِذُوا قرئ بالياء على: لئلا يتخذوا، وبالتاء على: أى لا تتخذوا، كقولك:

كتبت إليه أن أفعل كذا وَكِيلًا ربا تكلون إليه أموركم ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا نصب على الاختصاص. وقيل: على النداء فيمن قرأ «لا تتخذوا» بالتاء على النهى، يعنى: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مَعَ نُوحٍ وقد يجعل وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مفعولي تتخذوا، أى لا تجعلوهم أرباباً كقوله وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً ومن ذرية المحمولين مع نوح عيسى وعزير عليهم السلام. وقرئ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا بالرفع بدلا من واو تَتَّخِذُوا وقرأ زيد بن ثابت: ذرية، بكسر الذال. وروى عنه أنه قد فسرها بولد الولد، ذكرهم الله النعمة في إنجاء آبائهم من الغرق إِنَّهُ إن نوحاً كانَ عَبْداً شَكُوراً قيل: كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمنى، ولو شاء أجاعنى. وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأنى. وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كسانى، ولو شاء أعرانى. وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذانى، ولو شاء أحفانى. وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عنى أذاه في عافية، ولو شاء حبسه. وروى أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به، فإن وجده محتاجاً آثره به. فإن قلت: قوله إنه كان عبداً شكوراً ما وجه ملاءمته لما قبله؟ قلت: كأنه قيل: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بى، لأنّ نوحا عليه السلام كان عبدا شكورا، وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم.

ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح، فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص. ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد.