من للتبعيض، والمراد غضّ البصر عما يحرم، والاقتصار به على ما يحلّ. وجوّز الأخفش أن تكون مزيدة، وأباه سيبويه. فإن قلت: كيف دخلت في غضّ البصر دون حفظ الفروج؟
قلت: دلالة على أن أمر النظر أوسع. ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهنّ وصدورهنّ وثديهنّ وأعضادهنّ وأسوقهنّ وأقدامهنّ وكذلك الجواري المستعرضات، والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين. وأما أمر الفرج فمضيق، وكفاك فرقا أن أبيح النظر إلا ما استثنى منه، وحظر الجماع إلا ما استثنى منه. ويجوز أن يراد- مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل- حفظها عن الإبداء. وعن ابن زيد: كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا، إلا هذا فإنه أراد به الاستتار. ثم أخبر أنه خَبِيرٌ بأفعالهم وأحوالهم، وكيف يجيلون أبصارهم؟ وكيف يصنعون بسائر حواسهم وجوارحهم؟ فعليهم- إذ عرفوا ذلك- أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون.
النساء مأمورات أيضا بغض الأبصار، ولا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبى إلى ما تحت سرته إلى ركبته، وإن اشتهت غضت بصرها رأسا، ولا تنظر من المرأة إلا إلى مثل ذلك.
وغضها بصرها من الأجانب أصلا أولى بها وأحسن. ومنه حديث ابن أم مكتوم عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم- وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب- فدخل علينا فقال: احتجبا، فقلنا: يا رسول الله،