كأنه قيل: يفسدوا، كما قرئ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ كأنه قيل: أصدّق. وقرأ أنس رضى الله عنه: ونذرك، بالنون والنصب، أى يصرفنا عن عبادتك فنذرها. وقرئ: ويذرك وإلاهتك، أى عبادتك. وروى أنهم قالوا له ذلك، لأنه وافق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفس، فأرادوا بالفساد في الأرض ذلك وخافوا أن يغلبوا على الملك، وقيل: صنع فرعون لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام، ويقولون: ليقربونا إلى الله زلفى، ولذلك قال: أنا ربكم الأعلى سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ يعنى سنعيد عليهم ما كنا محناهم به من قتل الأبناء، ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر، وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا، وأن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي أخبر المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده، فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه، وأنه منتظر بعد.
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ قال لهم ذلك- حين قال فرعون: سنقتل أبناءهم فجزعوا منه وتضجروا- يسكنهم ويسلبهم، ويعدهم النصرة عليهم، ويذكر لهم ما وعد الله بنى إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم. فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على التي قبلها؟ قلت: هي جملة مبتدأة مستأنفة. وأمّا وَقالَ الْمَلَأُ فمعطوفة على ما سبقها من قوله قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وقوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يجوز أن تكون اللام للعهد ويراد أرض مصر خاصة، كقوله وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ وأن تكون للجنس فيتناول أرض مصر لأنها من جنس الأرض، كما قال ضمرة: إنما المرء بأصغريه، فأراد بالمرء الجنس، وغرضه أن يتناوله تناولا أوليا وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط، وأن المشيئة متناولة لهم. وقرأ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بالنصب: أبىّ وابن مسعود، عطفا على الأرض.
أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السلام إلى أن استنبئ، وإعادته عليهم بعد ذلك، وما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع