للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

راسِياتٍ ثابتات على الأثافى لا تنزل عنها لعظمها اعْمَلُوا آلَ داوُدَ حكاية ما قيل لآل داود. وانتصب شُكْراً على أنه مفعول له، أى: اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه. وفيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدّى على طريق الشكر. أو على الحال، أى:

شاكرين. أو على تقدير اشكروا شكرا، لأن اعملوا فيه معنى اشكروا، من حيث أنّ العمل للمنعم شكر له. ويجوز أن ينتصب باعملوا مفعولا به. ومعناه: إنا سخرنا لكم الجنّ يعملون لكم ما شئتم، فاعملوا أنتم شكرا على طريق المشاكلة الشَّكُورُ المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه: قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه، اعتقادا واعترافا وكدحا، وأكثر أوقاته. وعن ابن عباس رضى الله عنهما من يشكر على أحواله كلها. وعن السدى: من يشكر على الشكر. وقيل: من يرى عجزه عن الشكر. وعن داود أنه جزأ ساعات الليل والنهار على أهله، فلم تكن تأتى ساعة من الساعات إلا وإنسان من آل داود قائم يصلى. وعن عمر رضى الله عنه أنه سمع رجلا يقول: اللهم اجعلنى من القليل، فقال عمر ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: إنى سمعت الله يقول وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل، فقال عمر: كل الناس أعلم من عمر «١» .

[[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٤]]

فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)

قرئ: فلما قضى عليه الموت. ودابة الأرض: الأرضة، وهي الدويبة التي يقال لها السرفة والأرض فعلها، فأضيفت إليه. يقال: أرضت الخشبة أرضا. إذا أكلتها الأرضة. وقرئ بفتح الراء، من أرضت الخشبة أرضا، وهو من باب فعلته ففعل، كقولك: أكلت القوادح الأسنان أكلا، فأكلت أكلا. والمنسأة: العصا. لأنه ينسأ بها، أى: يطرد ويؤخر وقرئ بفتح الميم وبتخفيف الهمزة قلبا وحذفا وكلاهما ليس بقياس، ولكن إخراج الهمزة بين بين هو التخفيف القياسي. ومنسأته على مفعالة. كما يقال في الميضأة ميضاءة. ومن سأته، أى: من طرف عصاه، سميت بسأة «٢» القوس على الاستعارة. وفيها لغتان، كقولهم: قحة وقحة «٣» . وقرئ. أكلت منسأته تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ من تبين الشيء إذا ظهر وتجلى. وأَنْ مع صلتها بدل من الجن بدل الاشتمال، كقولك: تبين زيد جهله: والظهور له في المعنى، أى: ظهر أنّ الجن لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ أو علم الجن كلهم علما بينا- بعد التباس الأمر


(١) . أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد من رواية التيمي قال قال عمر- فذكره نحوه
(٢) . قوله «سميت بسأة القوس» في الصحاح «سية القوس» : ما عطف من طرفيها، وكان رؤبة يهمز: سية القوس، وسائر العرب لا يهمزونها. (ع)
(٣) . قوله «كقولهم قحة وقحة» كسعة وكمدة، بمعنى الوقاحة: وهي الصلابة. (ع)