للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ٥١]]

وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)

وَما كانَ لِبَشَرٍ وما صح لأحد من البشر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا على ثلاثة أوجه: إما على طريق الوحى وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد: أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره.

قال عبيد بن الأبرص:

وأوحى إلىّ الله أن قد تأمّروا … بإبل أبى أوفى فقمت على رجل «١»

أى: ألهمنى وقذف في قلبي. وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام، من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئى «٢» . وقوله مِنْ وَراءِ حِجابٍ

مثل أى، كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه وهو من وراء الحجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم موسى ويكلم الملائكة. وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحى الملك إليه كما كلم الأنبياء غير موسى. وقيل: وحيا كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا أى نبيا كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم. ووحيا، وأن يرسل: مصدران واقعان موقع الحال، لأنّ: أن يرسل، في معنى إرسالا. ومن وراء حجاب: ظرف واقع موقع الحال أيضا، كقوله تعالى وَعَلى جُنُوبِهِمْ والتقدير: وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا، أو مسمعا من وراء حجاب، أو مرسلا. ويجوز أن يكون: وحيا، موضوعا موضع: كلاما، لأنّ الوحى كلام خفى في سرعة، كما تقول: لا أكلمه إلا جهرا وإلا خفانا، لأنّ الجهر والخفات ضربان من الكلام، وكذلك إرسالا: جعل الكلام على لسان الرسول بمنزلة الكلام بغير واسطة. تقول: قلت لفلان كذا، وإنما قاله وكيلك أو رسولك. وقوله أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ معناه: أو إسماعا من وراء حجاب، ومن جعل وَحْياً في معنى: أن يوحى، وعطف يرسل عليه، على معنى وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أى: إلا بأن يوحى. أو بأن يرسل،


(١) . أى ألهمنى الله وألقى في قلبي: أنهم تأمروا. وأن مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير القوم أو الحال والشأن. واختار أبو حيان أنها لا اسم لها إذا خففت، لأنها مهملة. وإن ضمن «أوحى» معنى: قال، فان تفسيرية، أى، قد تآمروا بوزن تفاعلوا، أى: تشاوروا في الأمر، أو أجمعوا أمرهم. ومنه يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ بابل أبى أو في ليغتصبوها، فقمت في طلبهم لأردها على رجل، أى: لم أصبر حتى أركب. أو على رجل واحدة، أى: بسرعة، فلا أضع رجلي معا في الأرض.
(٢) . قوله «لأنه في ذاته غير مرئى» أى: لا تجوز رؤيته، وهذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فتجوز كما تقرر في محله. (ع)