الملائكة وعيسى منزهين برآء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريعهم أشدّ. وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم:
وهو أنه ألزم، ويكون اقتصاص ذلك لطفا لمن سمعه، وزاجرا لمن اقتص عليه. والموالاة:
خلاف المعاداة. ومنها: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وهي مفاعلة من الولي وهو القرب، كما أنّ المعاداة من العدواء وهي البعد، والولي: يقع على الموالي والموالي جميعا. والمعنى أنت الذي نواليه من دونهم، إذ لا موالاة بيننا وبينهم، فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار: براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم، لأنّ من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ يريدون الشياطين، حيث أطاعوهم في عبادة غير الله. وقيل:
صوّرت لهم الشياطين صور قوم من الجن وقالوا: هذه صور الملائكة فاعبدوها. وقيل: كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت. فيعبدون بعبادتها. وقرئ: نحشرهم. ونقول، بالنون والياء.
الأمر في ذلك اليوم لله وحده، لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرّة لأحد، لأنّ الدار دار ثواب وعقاب، والمثيب والمعاقب هو الله، فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف، والناس فيها مخلى بينهم، يتضارّون ويتنافعون. والمراد: أنه لا ضارّ ولا نافع يومئذ إلا هو وحده، ثم ذكر معاقبته الظالمين بقوله وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا معطوفا على لا يَمْلِكُ.
[[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٣]]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣)
الإشارة الأولى: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية إلى القرآن. والثالثة: إلى الحق، والحق أمر النبوّة كله ودين الإسلام كما هو. وفي قوله وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وفي أن لم يقل وقالوا، وفي قوله لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وفي لما من المبادهة بالكفر: دليل على صدور الكلام عن إنكار عظيم وغضب شديد، وتعجيب من أمرهم بليغ، كأنه قال: وقال أولئك الكفرة المتمرّدون بجراءتهم على الله ومكابرتهم لمثل ذلك الحق النير قبل أن يذوقوه إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ فبتوا القضاء على أنه سحر، ثم بتوه على