«من» في مِنَ الْمُلْكِ ومِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ للتبعيض، لأنه لم يعط إلا بعض ملك الدنيا، أو بعض ملك مصر وبعض التأويل أَنْتَ وَلِيِّي أنت الذي تتولاني بالنعمة في الدارين، ويوصل الملك الفاني بالملك الباقي تَوَفَّنِي مُسْلِماً طلب للوفاة على حال الإسلام، ولأن يختم له بالخير والحسنى، كما قال يعقوب لولده وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ويجوز أن يكون تمنياً للموت على ما قيل وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ من آبائي أو على العموم. وعن عمر ابن عبد العزيز: أنّ ميمون بن مهران بات عنده فرآه كثير البكاء والمسألة للموت، فقال له:
صنع الله على يديك خيراً كثيراً: أحييت سننا وأمت بدعا وفي حياتك خير وراحة للمسلمين، فقال: أفلا أكون كالعبد الصالح لما أقرّ الله عينه وجمع له أمره قال: توفني مسلماً وألحقنى بالصالحين. فإن قلت: علام انتصب فاطر السموات؟ قلت على أنه وصف لقوله رَبِّ كقولك أخا زيد حسن الوجه. أو على النداء.
ذلِكَ إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحله الابتداء. وقوله مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ خبر إنّ. ويجوز أن يكون اسماً موصولا بمعنى الذي، ومِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ صلته ونُوحِيهِ الخبر. والمعنى: أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحى، لأنك لم تحضر بنى يعقوب حين أجمعوا أمرهم وهو إلقاؤهم أخاهم في البئر، كقوله وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه، لأنه لم يخف على أحد من المكذبين أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقى فيها أحداً ولا سمع منه. ولم يكن من علم قومه. فإذا أخبر به وقصّ هذا القصص العجيب الذي أعجز حملته ورواته، لم تقع شبهة في أنه ليس منه وأنه من جهة الوحى، فإذا أنكروه تهكم بهم. وقيل لهم: قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهداً لمن مضى من القرون الخالية: ونحوه: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ، وَهُمْ يَمْكُرُونَ بيوسف ويبغون له الغوائل.