للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبِهِمْ بيان للمدعو عليهم إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ تعليل لاستيجابهم للدعاء عليهم. ونحوه قوله تعالى كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها وقيل: هذا فوج مقتحم معكم: كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم. ولا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ كلام الرؤساء. وقيل: هذا كله كلام الخزنة قالُوا أى الأتباع بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ يريدون الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به، وعللوا ذلك بقولهم أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا والضمير للعذاب أو لصلبهم. فإن قلت: ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلت: المقدم هو عمل السوء. قال الله تعالى ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ولكن الرؤساء لما كانوا السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه: قيل أنتم قدمتموه لنا، فجعل الرؤساء هم المقدمين وجعل الجزاء هو المقدّم، فجمع بين مجازين، لأن العاملين هم المقدمون في الحقيقة لا رؤساؤهم، والعمل هو المقدم لاجزاؤه. فإن قلت: فالذي جعل قوله لا مَرْحَباً بِهِمْ من كلام الخزنة ما يصنع بقوله بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ والمخاطبون- أعنى رؤساءهم- لم يتكلموا بما يكون هذا جوابا لهم؟ قلت: كأنه قيل: هذا الذي دعا به علينا الخزنة أنتم يا رؤساء أحق به منا لإغوائكم إيانا ونسببكم فيما نحن فيه من العذاب، وهذا صحيح كما لو زين قوم لقوم بعض المساوى فارتكبوه فقيل للمزينين: أخزى الله هؤلاء ما أسوأ فعلهم؟ فقال المزين لهم للمزينين: بل أنتم أولى بالخزي منا، فلولا أنتم لم نرتكب ذلك قالُوا هم الأتباع أيضا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً أى مضاعفا، ومعناه: ذا ضعف: ونحوه قوله تعالى رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين، كقوله عز وجل رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ «١» وجاء في التفسير عَذاباً ضِعْفاً: حيات وأفاعى «٢» .

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]

وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣)

وَقالُوا الضمير للطاغين رِجالًا يعنون فقراء المسلمين الذين لا يؤبه لهم مِنَ الْأَشْرارِ من الأراذل الذين لا خير فيهم ولا جدوى، ولأنهم كانوا على خلاف دينهم، فكانوا عندهم أشرارا أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا قرئ بلفظ الإخبار على أنه صفة لرجالا، مثل قوله كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ


(١) . قوله تعالى قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً وقال في موضع آخر آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً والقصة واحدة. قال أحمد: وفيه دليل على أن الضعفين اثنان من شيء واحد، خلافا لمن قال غير ذلك، لأنه في موضع قال فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً والمراد: مثل عذابه، فيكونا عذابين. وقال في موضعين ضِعْفَيْنِ والمراد: ذا عذابين. [.....]
(٢) . قوله «وجاء في التفسير … الخ» عبارة الخازن: قال ابن عباس: حيات وأفاعى (ع)