للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دد ولا الدد منى» «١» وقرئ: حيا، وهو المفعول الثاني. والظرف لغو.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣١ الى ٣٢]

وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢)

أى كراهة أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وتضطرب. أو لئلا تميد بهم، فحذف «لا» واللام. وإنما جاز حذف «لا» لعدم الالتباس «٢» ، كما تزاد لذلك في نحو قوله لِئَلَّا يَعْلَمَ وهذا مذهب الكوفيين.

الفج: الطريق الواسع. فإن قلت: في الفجاج معنى الوصف، فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً؟ قلت: لم تقدّم وهي صفة، ولكن جعلت حالا كقوله:

لعزّة موحشا طلل قديم «٣»

إن قلت: ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قلت: أحدهما: الإعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة.

والثاني: بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة، فهو بيان لما أبهم ثمة، محفوظا حفظه بالإمساك


(١) . قوله عليه السلام: «ما أنا من دد» في الصحاح: الدد: اللهو واللعب. (ع)
(٢) . قال محمود: «معناه كراهة أن تميد بهم، أو تكون لا محذوفة لأمن الإلباس» قال أحمد: وأولى من هذين الوجهين أن يكون من قولهم: أعددت هذه الخشبة أن تميل الحائط فأدعمه. قال سيبويه: ومعناه أن أدعم الحائط إذا مال. وإنما قدم ذكر الميل اهتماما بشأنه، ولأنه أيضا هو السبب في الادعام، والادعام سبب في إعداد الخشبة، فعامل سبب السبب معاملة السبب. وعليه حمل قوله تعالى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى كذلك ما نحن فيه يكون الأصل: وجعلنا في الأرض رواسى لأجل أن تثبتها إذا مادت بهم «فجعل الميد هو السبب» كما جعل الميل في المثل المذكور سببا، وصار الكلام: وجعلنا في الأرض رواسى أن تميد فنثبتها، ثم حذف قوله «فنثبتها» لأمن الإلباس إيجازا واختصارا، وهذا التقرير أقرب إلى الواقع مما أول الزمخشري الآية عليه، فان مقتضى تأويله أن لا تميد الأرض بأهلها، لأن الله كره ذلك، ومكروه الله تعالى محال أن يقع، كما أن مراده واجب أن يقع، والمشاهد خلاف ذلك، فكم من زلزلة مادت لها الأرض وكادت تقلب عاليها سافلها. وأما على تقريرنا فالمراد أن الله تعالى يثبت الأرض بالجبال إذا مادت، وهذا لا يأبى وقوع الميد، كما أن قوله أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى لا يأبى وقوع الضلال والنسيان من إحداهما، لكنه ميد يستعقبه التثبيت، وكذلك الواقع من الزلازل إنما هو كاللمحة ثم يثبتها الله تعالى.
(٣) .
لعزة موحشا طلل قديم … عفاه كل أسحم مستديم
لكثير. والطلل: ما شخص من آثار الدار، والصفة إذا تقدمت على موصوفها كانت حالا منه كما هنا، لأن مذهب الكوفيين والأخفش أن «طلل» فاعل الظرف قبله وأن يعتمد. و «موحشا» حال منه مقدمة عليه. ويجوز أنه مبتدأ. وموحشا حال من الضمير المستتر في الظرف. وأجاز سيبويه أنه حال من المبتدإ المؤخر. وعاملها الاستقرار المحذوف، ولا يمتنع عنده اختلاف عامل الحال وعامل صاحبها، خلافا للجمهور. والموحش: الموقع في الوحشة، ضد المؤنس: الموقع في الأنس. ويجوز أن معناه كثير الوحوش. وعفاه: أهلكه. والاسم: صفة السحاب، أى: كل أسود دائم الأمطار. ويروى هكذا
لمية موحشا طلل … يلوح كأنه خلل
وهي بالكسر:
جمع خلة، وهي بطانة مخططة تغشى بها جفان السيوف، وسيور تلبس ظهور القسي.