للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شاهداً، أى حاضراً مقيما غير مسافر في الشهر، فليصم فيه ولا يفطر. والشهر: منصوب على الظرف وكذلك الهاء في: (فَلْيَصُمْهُ) ولا يكون مفعولا به كقولك: شهدت الجمعة، لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر يُرِيدُ اللَّهُ أن ييسر عليكم ولا يعسر، وقد نفى عنكم الحرج في الدين، وأمركم بالحنيفية السمحة التي لا إصر فيها، وجملة ذلك ما رخص لكم فيه من إباحة الفطر في السفر والمرض. ومن الناس من فرض الفطر على المريض والمسافر، حتى زعم أنّ من صام منهما فعليه الإعادة. وقرئ: اليسر، والعسر- بضمتين. الفعل المعلل محذوف مدلول عليه بما سبق تقديره «١» وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ شرع ذلك يعنى جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر وأمر المرخص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر، فقوله: (لِتُكْمِلُوا) علة الأمر بمراعاة العدّة (وَلِتُكَبِّرُوا) علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) علة الترخيص والتيسير، وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا يكاد يهتدى إلى تبينه إلا النقاب المحدث من علماء البيان. وإنما عدّى فعل التكبير بحرف الاستعلاء لكونه مضمنا معنى الحمد، كأنه قيل: ولتكبروا اللَّه حامدين على ما هداكم.

ومعنى (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وإرادة أن تشكروا. وقرئ (ولتكملوا) بالتشديد. فإن قلت: هل يصح أن يكون (وَلِتُكْمِلُوا) معطوفا على علة مقدرة، كأنه قيل لتعملوا ما تعلمون، ولتكملوا العدة.

أو على اليسر، كأنه قيل: يريد اللَّه بكم اليسر، ويريد بكم لتكملوا، كقوله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا) ؟ قلت:

لا يبعد ذلك والأوّل أوجه. فإن قلت: ما المراد بالتكبير؟ قلت: تعظيم اللَّه والثناء عليه. وقيل:

هو تكبير يوم الفطر. وقيل: هو التكبير عند الإهلال «٢» .

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٦]]

وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)

فَإِنِّي قَرِيبٌ تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بحال من قرب مكانه، فإذا دعى أسرعت تلبيته، ونحوه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) وقوله عليه الصلاة والسلام: «هو بينكم وبين أعناق رواحلكم «٣» » وروى أنّ أعرابيا قال لرسول اللَّه


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «الفعل المعلل محذوف تقديره شرع ذلك … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: ولقبه الخاص به في صناعة البديع: رد أعجاز الكلام إلى صدوره. ولقد أحسن الزمخشري في التنقيب عنه فهو منظوم في سلك حسناته.
(٢) . قوله «عند الإهلال» أى الإحرام بالنسك. أفاده الصحاح. (ع)
(٣) . متفق عليه من حديث أبى موسى الأشعرى قال «كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة. فلما قفلنا أشرفنا على المدينة، فكبر الناس، ورفعوا أصواتهم. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم. إن ربكم ليس بأصم ولا غائب، هو بينكم وبين رءوس رواحلكم» ورواه الترمذي.