للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره، ولا يسبق الليل النهار يعنى آية الليل آية النهار وهما النيران، ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك، وينقض ما ألف فيجمع بين الشمس والقمر، ويطلع الشمس من مغربها. فإن قلت: لم جعلت الشمس غير مدركة، والقمر غير سابق؟ قلت: لأنّ الشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة، والقمر يقطع فلكه في شهر، فكانت الشمس جديرة بأن توصف بالإدراك لتباطئ سيرها عن سير القمر خليقا بأن يوصف بالسبق لسرعة سيره وَكُلٌّ التنوين فيه عوض عن المضاف إليه، والمعنى: وكلهم، والضمير للشموس والأقمار على ما سبق ذكره.

[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)

ذُرِّيَّتَهُمْ أولادهم ومن يهمهم حمله. وقيل: اسم الذرية يقع على النساء، لأنهنّ مزارعها وفي الحديث أنه نهى عن قتل الذراري يعنى النساء مِنْ مِثْلِهِ من مثل الفلك ما يَرْكَبُونَ من الإبل، وهي سفائن البر. وقيل الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ سفينة نوح، ومعنى حمل الله ذرياتهم فيها: أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين، وفي أصلابهم هم وذرياتهم، وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم، وأدخل في التعجيب من قدرته، في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح. ومِنْ مِثْلِهِ من مثل ذلك الفلك ما يركبون من السفن والزوارق فَلا صَرِيخَ لا مغيث. أولا إغاثة. يقال: أتاهم الصريخ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ لا ينجون من الموت بالغرق إِلَّا رَحْمَةً إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة إِلى حِينٍ «١» إلى أجل يموتون فيه لا بد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق. ولقد أحسن من قال:

ولم أسلم لكي أبقى ولكن … سلمت من الحمام إلى الحمام «٢»

وقرأ الحسن رضى الله عنه: نغرقهم،


(١) . قال أحمد: من هنا أخذ أبو الطيب:
ولم أسلم لكي أبقى ولكن … سلمت من الحمام إلى الحمام
لأنه تعالى أخبر أنهم إن سلموا من موت الغرق فتلك السلامة متاع إلى حين، أى: إلى أجل يموتون فيه، ولا بد.
(٢) . للمتنبي يقول: ولم أسلم من حوادث الدهر ومكاره الحرب لأجل أن أخلد، وإنما سلمت من الحمام- ككتاب-: أى الموت ببعض الأسباب إلى أن أموت ببعضها الآخر. أو منقلب إلى الموت ببعضها الآخر، لأنه لا خلود في الدنيا.