للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللام في لِيَكُونَ هي لام كى التي معناها التعليل، كقولك: جئتك لتكرمنى سواء بسواء ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة، لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا، ولكن: المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته، شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله، وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء، والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك: ضربته ليتأدّب. وتحريره: أن هذه اللام حكمها حكم الأسد، حيث استعيرت لما يشبه التعليل، كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد. وقرئ: وحزنا وهما لغتان: كالعدم والعدم كانُوا خاطِئِينَ في كل شيء، فليس خطؤهم في تربية عدّوهم ببدع منهم. أو كانوا مذنبين مجرمين، فعاقبهم الله بأن ربى عدوّهم- ومن هو سبب هلاكهم- على أيديهم. وقرئ: خاطين، تخفيف خاطئين، أو خاطين الصواب إلى الخطأ.

[[سورة القصص (٢٨) : آية ٩]]

وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩)

روى أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه، فلم يقدروا عليه، فعالجوا كسره فأعياهم، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا، فعالجته ففتحته، فإذا بصبىّ نوره بين عينيه وهو يمصّ إبهامه لبنا فأحبوه، وكانت لفرعون بنت برصاء، وقالت له الأطباء: لا تبرأ إلا من، قبل البحر، يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه، فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرأت «١» . وقيل لما نظرت إلى وجهه برأت، فقالت: إن هذه لنسمة مباركة، فهذا أحد ما عطفهم عليه، فقال الغواة من قومه: هو الصبى الذي نحذر منه، فأذن لنا في قتله، فهمّ بذلك فقالت آسية قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ فقال فرعون: لك لا لي. وروى في حديث: «لو قال هو قرّة عين لي كما هو لك، لهداه الله كما هداها «٢» » وهذا على سبيل الفرض والتقدير، أى: لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها، ولأسلم كما أسلمت: هذا- إن صح الحديث- تأويله، والله أعلم بصحته.

وروى أنها قالت له: لعله من قوم آخرين ليس من بنى إسرائيل. قرّة عين: خبر مبتدإ محذوف ولا يقوى أن تجعله مبتدأ ولا تَقْتُلُوهُ خبرا، ولو نصب لكان أقوى. وقراءة ابن مسعود


(١) . قوله «فبرأت» في الصحاح: برئت من المرض برءا بالضم. وأهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا بالفتح. وأصبح فلان بارئا من مرضه (ع)
(٢) . هذا طرف من حديث الفتون الطويل. وقد ذكرنا في طه أن النسائي أخرجه من حديث ابن عباس وفيه فأتت فرعون فقالت: قرة عين لي ولك فقال فرعون: يكون لك فأما أنا فلا حاجة لي فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يحلف به، لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها ولكن الله حرمه ذلك» .