للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد … صداها ولا يقضى عليها هيامها «١»

وقيل الهيم: الرمال. ووجهه أن يكون جمع الهيام بفتح الهاء وهو الرمل الذي لا يتماسك، جمع على فعل كسحاب وسحب، ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض. والمعنى: أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرّهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل، فإذا ملؤوا منه البطون يسلط عليهم من العطش ما يضطرّهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم، فيشربونه شرب الهيم. فإن قلت: كيف صحّ عطف الشاربين على الشاربين، وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكان عطفا للشيء على نفسه؟ قلت: ليسنا بمتفقتين، من حيث إنّ كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه: من تناهى الحرارة وقطع الأمعاء: أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء:

أمر عجيب أيضا، فكانتا صفتين مختلفتين. النزل: الرزق الذي يعدّ للنازل تكرما له. وفيه تهكم، كما في قوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وكقول أبى الشعر الضبي.

وكنّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا … جعلنا القنا والموهفات له نزلا «٢»

وقرئ: نزلهم بالتخفيف.

[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]

نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢)


(١) .
وقد زودت مى على النأى قبلة … علاقات حاجات طويل سقامها
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد … صداها ولا يقضى عليها هيامها
لذي الرمة، يقول: وقد زودتنا، أى جعلت زادنا مى عند الرحيل قبلة، فكانت القبلة علاقات الحاجات وأسباب التطلع إلى الوصال، فعلاقات: خبر مرفوع، أو بدل منصوب. والسقام ككلام، وسقم كتعب، وسقم كبخل:
مصدر سقم كتعب تعبا، أى: عناؤها طويل المدة لا يبرأ. ويقال للجمل: أهيم. وللناقة هيماء، إذا أصابهما الهيام بالضم: وهو داء تغلى منه قلوب الإبل كالعطش الشديد، أى: فأصبحت كالناقة الهيماء. وقوله «لا الماء مبرد» استئناف مبين لوجه الشبه فيها. أو حال منها، أى: لا يبرد الماء ظمأها ولا يقضى عليها، أى: لا يمينها هيامها، فأنا كذلك لا وصال فيشفينى، ولا التلهف يميتني. ويروى: ولا يقضى على هيامها، ولعل معناه: لا الماء يبرد الحرقة التي حصلت لي منها، ولا يميتني الهيام الذي حصل لي منها، ولكن الأولى أقعد وأجود معنى.
(٢) . تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٤٥٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.