للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيؤدّيكم التذكر إلى أنه لا فرق بين الإخراجين. إذا كل واحد منهما إعادة للشيء بعد إنشائه وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ الأرض العذاة الكريمة التربة وَالَّذِي خَبُثَ الأرض السبخة التي لا تنبت ما ينتفع به بِإِذْنِ رَبِّهِ بتيسيره وهو في موضع الحال، كأنه قيل: يخرج نباته حسنا وافيا لأنه واقع في مقابلة نَكِداً والنكد الذي لا خير فيه. وقرئ: يخرج نباته، أى يخرجه البلد وينبته. وقوله وَالَّذِي خَبُثَ صفة للبلد ومعناه والبلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكداً، فحذف المضاف الذي هو النبات، وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى البلد مقامه، إلا أنه كان مجرورا بارزاً، فانقلب مرفوعا مستكنا لوقوعه موقع الفاعل، أو يقدّر: ونبات الذي خبث.

وقرئ: نكداً، بفتح الكاف على المصدر، أى ذا نكد. ونكداً، بإسكانها للتخفيف، كقوله: نزه عن الريب، بمعنى نزه. وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين، ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك. وعن مجاهد: آدم وذرّيته منهم خبيث وطيب. وعن قتادة: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله وانتفع به، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت. والكافر بخلاف ذلك. وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر، وإنزاله بالبلد الميت، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد كَذلِكَ مثل ذلك التصريف نُصَرِّفُ الْآياتِ نردّدها ونكرّرها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله وهم المؤمنون، ليفكروا فيها ويعتبروا بها. وقرئ:

يصرف، بالياء أى يصرفها الله.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٩]]

لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)

لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً جواب قسم محذوف. فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام، إلا مع «قد» وقلّ عنهم، نحو قوله:

حلفت لها بالله حلفة فاجر … لناموا........ «١» ....


(١) .
فقالت سباك الله إنك فاضحى … ألست ترى السمار والنار أحوالى
حلفت لها بالله حلفة فاجر … لناموا فما إن من حديث ولا صالى
فأصبحت معشوقا وأصبح يعلها … عليه قتام كاسف الظن والبال
يغط غطيط البكر شد خناقه … ليقتلني والمره ليس بقتال
أيقتلنى والمشرفي مضاجعى … ومسنونة زرق كأنياب أغوال
لامرئ القيس. يقول: ضجرت محبوبتى سلمي حين ترقبتها ليلا مع أن الرقباء حولها. والسمار: جمع سامر، بمعنى المتحدث ليلا. وأحوال: جمع حول، بمعنى جانب، فيفيد كثرة الناس وانتشارهم في جوانبها. والمنقول أنه على صورة الجمع وليس جمعا، وكذا تئنيته، لأنه حول الشيء وحوليه وأحواله وأحواليه وحواله وحواليه، كلها بمعنى جانبه المحيط به، ويمكن أن يراد بالمفرد: مطلق الجانب مجازاً، فيثنى ويجمع حقيقة، والكثير في الماضي المجاب به القسم قرنه بقد، بل قيل: إن لم توجد فيه قدرت قيل، لأن الجواب مظنة للتوقع الذي هو معنى «قد» لسماع القسم أولا. و «إن» و «من» زائدتان للتوكيد، والحديث: بمعنى المتحدث ليطابق ما بعده. والصالي: المصطلى بالنار. وهاهنا حذف دل عليه المقام. أى فسمحت فنلت منها مرادى، فأعجبتها فأصبحت معشوقا وقد كنت عاشقاً، وأصبح زوجها عليه قتام: وهو الغبار وسواد الوجه، كاسف الظن: منعكسه، فهو مجاز. وكاسف البال:
حزين القلب، أو سيئ الحال. والغطيط: ارتفاع صوت النفس عند الخنق والنعاس ونحو ذلك. والبكر: الفتى من الإبل. والخناق: حبل يخنق به كالحزام لما يتحزم به، والاسار لما يربط به الأسير. وقوله: ليس بقتال، أى كما يزعم أنه شجاع. والمشرفي: السيف، نسبة إلى مشارف جمع مشرف كجعفر، وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، شبهه بالمضاجع لامتداده بجانبه وملازمته له، والمسنونة النبال: المحددة الأطراف. والزرق:
جمع زرقاء، الصافيات اللون. وشبهها بأنياب الأغوال في حدة الأطراف، واستبشاع كل عند النفوس. وهذا لا يستلزم وجود الغول ورؤية نابها، وإن زعمته العرب.