للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من دعاء وغيره، وفي الآخرة: إذا أنشأه الله حيوانا، تبرأ من الدعاة إليه ومن عبدته. وقيل معناه ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا ولا في الآخرة. أو دعوة مستجابة، جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة فيها كلا دعوة، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة، كما سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قولهم: كما تدين تدان. قال الله تعالى لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ. الْمُسْرِفِينَ عن قتادة: المشركين. وعن مجاهد: السفاكين الدماء بغير حلها. وقيل: الذين غلب شرهم خيرهم هم المسرفون. وقرئ: فستذكرون، أى:

فسيذكر بعضكم بعضا وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ لأنهم توعدوه.

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]

فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦)

فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا شدائد مكرهم وما هموا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم. وقيل: نجا مع موسى وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ ما هموا به من تعذيب المسلمين. ورجع عليهم كيدهم النَّارُ بدل من سوء العذاب. أو خبر مبتدإ محذوف، كأن قائلا قال: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار. أو مبتدأ خبره يُعْرَضُونَ عَلَيْها وفي هذا الوجه تعظيم للنار وتهويل من عذابها، وعرضهم عليها: إحراقهم بها. يقال: عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به، وقرئ: النار، بالنصب، وهي تعضد الوجه الأخير. وتقديره: يدخلون النار يعرضون عليها. ويجوز أن ينتصب على الاختصاص غُدُوًّا وَعَشِيًّا في هذين الوقتين يعذبون بالنار، وفيما بين ذلك الله أعلم بحالهم، فإمّا أن يعذبوا بجنس آخر من العذاب، أو ينفس عنهم.

ويجوز أن يكون غُدُوًّا وَعَشِيًّا: عبارة عن الدوام. هذا ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة قيل لهم أَدْخِلُوا يا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ عذاب جهنم. وقرئ: أدخلوا آل فرعون، أى:

يقال لخزنه جهنم: أدخلوهم. فإن قلت: قوله وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ معناه: أنه رجع عليهم ما هموا به من المكر بالمسلمين، كقول العرب: من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، فإذا فسر سوء العذاب بنار جهنم: لم يكن مكرهم راجعا عليهم، لأنهم لا يعذبون بجهنم. قلت:

يجوز أن بهم الإنسان بأن يغرق قوما فيحرق بالنار، ويسمى ذلك حيقا لأنه همّ بسوء فأصابه ما يقع عليه اسم السوء. ولا يشترط في الحيق أن يكون الحائق ذلك السوء بعينه، ويجوز أن بهمّ فرعون- لما سمع إنذار المسلمين بالنار، وقول المؤمن وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ- فيفعل نحو ما فعل نمروذ ويعذبهم بالنار، فحاق به مثل ما أضمره وهمّ بفعله. ويستدل بهذه الآية على إثبات عذاب القبر.