للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباد الطاغوت؟ «١» قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه خذلهم حتى عبدوه. والثاني: أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به، كقوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) وقيل الطاغوت: العجل لأنه معبود من دون اللَّه، ولأن عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان، فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت. وعن ابن عباس رضى اللَّه تعالى عنه:

أطاعوا الكهنة، وكل من أطاع أحداً في معصية اللَّه فقد عبده. وقرأ الحسن: الطواغيت.

وقيل: وجعل منهم القردة أصحاب السبت، والخنازير كفار أهل مائدة عيسى. وقيل: كلا المسخين من أصحاب السبت، فشبانهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير. وروى أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رءوسهم أُولئِكَ الملعونون الممسوخون شَرٌّ مَكاناً جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله. وفيه مبالغة ليست في قولك: أولئك شر وأضل، لدخوله في باب الكناية التي هي أخت المجاز.

نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم يظهرون له الإيمان نفاقا، فأخبره اللَّه تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا، لم يتعلق بهم شيء مما سمعوا به من تذكيرك بآيات اللَّه ومواعظك. وقوله: (بِالْكُفْرِ) و (بِهِ) حالان، أى دخلوا كافرين «٢» وخرجوا كافرين. وتقديره: ملتبسين بالكفر. وكذلك قوله: (وَقَدْ دَخَلُوا) (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا) ولذلك دخلت (قَدْ) تقريبا للماضي من الحال. ولمعنى آخر: وهو أن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوقعاً لإظهار اللَّه ما كتموه، فدخل حرف التوقع وهو متعلق بقوله: (قالُوا آمَنَّا) أى قالوا ذلك وهذه حالهم.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]

وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)

الإثم الكذب «٣» بدليل قوله تعالى: (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) . وَالْعُدْوانِ الظلم. وقيل: الإثم


(١) . قوله «فان قلت كيف جاز أن يجعل … الخ» السؤال مبنى على أنه لا يجوز عليه تعالى خلق الشر. وهو مذهب المعتزلة. أما عند أهل السنة فيجوز كما تقرر في علم التوحيد. (ع)
(٢) . قال محمود: «المجروران حالان أى دخلوا كافرين … الخ» قال أحمد: وفي تصدير الجملة الثانية بالضمير تأكيد لاتحاد حالهم في الكفر، أى وقد دخلوا بالكفر وخرجوا وهم أولئك على حالهم في الكفر، كما تقول:
لقيت زيدا بعد عوده من سفره وهو هو، أى على حاله. وفي المثل «وعبد الحميد عبد الحميد» أى حالته باقية، واللَّه أعلم.
(٣) . قال محمود: «الإثم الكذب … الخ» قال أحمد: وقوله: (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) يدل على أن الإثم الأول مقول، فيحتمل أن يكون المراد الكذب مطلقا. ويحتمل أن يراد كلمة الشرك، واستدلال الزمخشري على أن المراد الكذب لا يتم، وإنما يدل على أنه مقول فيحتمل الأمرين، واللَّه أعلم.