قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أى يرزقكم منهما جميعاً، «١» لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحدّ الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة. أو من يحميهما ويحصنهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ومن يلي تدبير أمر العالم كله، جاء بالعموم بعد الخصوص أَفَلا تَتَّقُونَ أفلا تقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال فَذلِكُمُ إشارة إلى من هذه قدرته وأفعاله رَبُّكُمُ الْحَقُّ الثابت ربوبيته ثباتاً لا ريب فيه لمن حقق النظر فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ يعنى أن الحق والضلال لا واسطة بينهما، فمن تخطى الحق وقع في الضلال فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عن الحق إلى الضلال، وعن التوحيد إلى الشرك، وعن السعادة إلى الشقاء كَذلِكَ مثل ذلك الحق حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أى كما حق وثبت أنّ الحق بعده الضلال، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق، فكذلك حقت كلمة ربك عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أى تمرّدوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه، وأَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بدل من الكلمة أى حق عليهم انتفاء الإيمان، وعلم الله منهم ذلك. أو حق عليهم كلمة الله أنهم من أهل الخذلان، وأن إيمانهم غير كائن. أو أراد بالكلمة: العدة بالعذاب، وأنهم لا يؤمنون تعليل، بمعنى: لأنهم لا يؤمنون.
(١) . قال محمود: «معناه أى من يرزقكم منهما جميعا … الخ» قال أحمد: وهذه الآية كافحة لوجوه القدرية الزاعمين أن الأرزاق منقسمة، فمنها ما رزقه الله العبد وهو الحلال، ومنها ما رزقه العبد لنفسه وهو الحرام وهذه الآية ناعية عليهم هذا الشرك الخفي لو سمعوا أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ.