للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: كان الناس أمة واحدة كفاراً، فبعث اللَّه النبيين، فاختلفوا عليهم. والأوّل الوجه. فإن قلت: متى كان الناس أمة واحدة متفقين على الحق؟ قلت: عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: أنه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة من الحق فاختلفوا.

وقيل: هم نوح ومن كان معه في السفينة وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ يريد الجنس، أو مع كل واحد منهم كتابه لِيَحْكُمَ اللَّه، أو الكتاب، أو النبىّ المنزل عليه فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ في الحق ودين الإسلام الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ في الحق إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ إلا الذين أوتوا الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف، أى ازدادوا في الاختلاف لما أنزل عليهم الكتاب، وجعلوا نزول الكتاب سببا في شدّة الاختلاف واستحكامه بَغْياً بَيْنَهُمْ حسداً بينهم وظلما لحرصهم على الدنيا وقلة إنصاف منهم. ومِنَ الْحَقِّ بيان لما اختلفوا فيه، أى فهدى اللَّه الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٤]]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)

أَمْ منقطعة، ومعنى الهمزة «١» فيها للتقرير وإنكار الحسبان واستبعاده. ولما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف على النبيين بعد مجيء البينات- تشجيعاً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر مع الذين اختلفوا عليه من المشركين وأهل الكتاب وإنكارهم لآياته وعداوتهم له- قال لهم على طريقة الالتفات التي هي أبلغ: أم حسبتم وَلَمَّا فيها معنى التوقع، وهي في النفي نظيرة «قد» في الإثبات. والمعنى أن إتيان ذلك متوقع منتظر مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا حالهم التي هي مثل في الشدّة. ومَسَّتْهُمُ بيان للمثل وهو استئناف، كأن قائلا قال:

كيف كان ذلك المثل؟ فقيل: مستهم البأساء وَزُلْزِلُوا وأزعجوا إزعاجا شديداً شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ إلى الغاية التي قال الرسول ومن معه فيها مَتى نَصْرُ اللَّهِ أى بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك. ومعناه طلب الصبر وتمنيه، واستطالة زمان الشهدة. وفي هذه الغاية دليل على تناهى الأمر في الشدة وتماديه في العظم، لأنّ الرسل لا يقادر قدر ثباتهم واصطبارهم وضبطهم لأنفسهم، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان


(١) . قوله «أم منقطعة ومعنى الهمزة» تفسر بمعنى بل والهمزة. (ع)