العامل في إِذْ تَمْشِي «١» أَلْقَيْتُ أو لِتُصْنَعَ ويجوز أن يكون بدلا من إِذْ أَوْحَيْنا.
فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح- وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه- أن يقول لك الرجل: لقيت فلانا سنة كذا، فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك. وربما لقيه هو في أو لها وأنت في آخرها. يروى أن أخته واسمها مريم جاءت متعرفه خبره، فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها، وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة فقالت: هل أدلكم فجاءت بالأمّ فقبل ثديها.
ويروى أن آسية استوهبته من فرعون وتبنته، وهي التي أشفقت عليه وطلبت له المراضع.
هي نفس القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلى. قتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة: اغتم بسبب القتل خوفا من عقاب الله ومن اقتصاص فرعون، فغفر الله له باستغفاره حين قال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ونجاه من فرعون أن ينشب فيه أظفاره حين هاجر به إلى مدين فُتُوناً يجوز أن يكون مصدرا على فعول في المتعدّى، كالثبور والشكور والكفور.
وجمع فتن أو فتنة، على ترك الاعتداد بتاء التأنيث، كحجوز وبدور، في حجزة وبدرة: أى فتناك ضروبا من الفتن. سأل سعيد بن جبير ابن عباس رضى الله عنه، فقال: خلصناك من محنة بعد محنة: ولد في عام كان يقتل فيه الولدان، فهذه فتنة يا ابن جبير. وألقته أمّه في البحر. وهمّ فرعون بقتله. وقتل قبطيا. وأجر نفسه عشر سنين. وضلّ الطريق وتفرّقت غنمه في ليلة مظلمة، وكان يقول عند كل واحدة: فهذه فتنة يا ابن جبير. والفتنة: المحنة، وكل ما يشق على الإنسان. وكل ما يبتلى الله به عباده: فتنة. قال وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. مَدْيَنَ على
(١) . قال محمود: «العامل في إِذْ تَمْشِي ألقيت أو تصنع … الخ» قال أحمد: والمعنى يوجب عمل وَلِتُصْنَعَ فيه لأن معنى صنيعه على عين الله عز وجل: تربيته مكلوءا بكلاءته مصونا بحفظه، وزمان تربيته على هذه الحالة: هو زمان رده إلى أمه المشفقة الحنانة. وأما إلقاه المحبة عليه، فقيل: ذلك أول ما أخذه فرعون وأحبه، والله سبحانه وتعالى أعلم.