للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روى أن رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث كانا قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادّونهما، فنزلت. يعنى أن اتخاذهم دينكم هزواً ولعباً لا يصح أن يقابل باتخاذكم إياهم أولياء، بل يقابل ذلك بالبغضاء والشنآن والمنابذة. وفصل المستهزئين بأهل الكتاب والكفار- وإن كان اهل الكتاب من الكفار- إطلاقا للكفار على المشركين خاصة. والدليل عليه قراءة عبد اللَّه: ومن الذين أشركوا. وقرئ: والكفار بالنصب والجرّ. وتعضد قراءة الجر قراءة أُبىّ:

ومن الكفار وَاتَّقُوا اللَّهَ في موالاة الكفار وغيرها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حقاً لأن الإيمان حقاً يأبى موالاة أعداء الدين اتَّخَذُوها الضمير للصلاة أو للمناداة. قيل كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول «أشهد أنّ محمداً رسول اللَّه» قال: حرّق الكاذب، فدخلت خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم، فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت، واحترق هو «١» وأهله. وقيل: فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده لا يَعْقِلُونَ لأنّ لعبهم وهزؤهم من أفعال السفهاء والجهلة، فكأنه لا عقل لهم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٩]]

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩)

قرأ الحسن. هل تنقمون بفتح القاف. والفصيح كسرها. والمعنى هل تعيبون منا وتنكرون إلا الإيمان بالكتب المنزلة كلها وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ. فإن قلت: علام عطف قوله وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ؟ قلت: فيه وجوه: منها أن يعطف على أن آمنا، بمعنى: وما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين تمرّدكم وخروجكم عن الإيمان، كأنه قيل: وما تنكرون منا إلا مخالفتكم حيث دخلنا في دين الإسلام وأنتم خارجون منه. ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف، أى واعتقاد أنكم فاسقون. ومنها أن يعطف على المجرور، أى وما تنقمون منا إلا الإيمان باللَّه وبما أنزل وبأنّ أكثركم فاسقون. ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع، أى وما تنقمون منا إلا الإيمان مع أنّ أكثركم


(١) . أخرجه الطبري من رواية أسباط عن السدى في قوله، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً، قال:
كان رجل من النصارى … فذكره.