ويحتمل أن الضميرين له. والجبروت: مبالغة في الجبر والقهر، أى: ليس فيه ذلك كغيره، فهو أعظم الملوك. (٢) . قال محمود: «ما موصولة مبتدأ، والسحر خبر أى الذي جئتم به … الخ» قال أحمد: وليس المراد في القراءة الأولى الاخبار بأن ما جاءوا به سحر خاصة، ولكن مع تنزيه ما جاء به عن كونه سحراً. وإنما يستفاد ذلك مما في هذا النظم المخصوص من إفادة الحصر، ولو مرت بخاطر الامام أبى المعالي في مسألة تحريمة التكبير لم بعدل عن الاستشهاد بها على إفادة هذا النظم الحصر، فانا نعلم أن موسى عليه السلام حيث أطلقه فإنما أراد إضافة السحر إلى ما جاءوا به محصوراً فيه، حتى لا يتعدى إلى الحق الذي جاء به هو منه شيء. وأما القراءة الثانية ففيها- والله أعلم- إرشاد إلى أن قول موسى عليه السلام أولا أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا حكاية لقولهم، ويكون أَسِحْرٌ هذا هو الذي قالوه، ولا يناقض ذلك حكاية الله عنهم أنهم قالوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ وذلك إما لأنهم قالوا الأمرين جميعاً: بدءوا بالاستفهام على سبيل الاستهتار بالحق والاستهزاء بكونه حقاً، والاستهزاء بالحق إنكار له، بل قد يكون الاستفهام في بعض المواطن أبت من الاخبار. ألا ترى أنهم يقولون في قوله: أأنت أم سالم، أبلغ في البت من قوله: مخبرا أنت أم سالم؟ ثم ثنوا بصيغة الخبر الخاصة بيت الإنكار ودعوى أنه سحر فقالوا: إن هذا لسحر مبين، فحكى الله تعالى عنهم هذا القول الثاني، ووبخهم موسى على قولهم الأول. ومعنى العبارتين ومآلهما واحد. وإما أن لا يكونوا قالوا سوى أَسِحْرٌ هذا على سبيل الإنكار حسبما تقدم، فحكاه الله تعالى عنهم بمآله، لأنه يعلم أن مرادهم من الاستفهام الإنكار وبت القول أنه سحر. وحكى موسى عليه السلام قولهم بلفظه، ولم يؤده بعبارة أخرى. وحكاية القصص المتلوة في الكتاب العزيز بصيغ مختلفة لا محمل لها سوى أنها معان منقولة إلى اللغة العربية، فيترجم عنها بالألفاظ المترادفة المتساوية المعاني. وحاصل هذا البحث: أن قول موسى عليه السلام أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا إنما حكى فيه قولهم، ويرشد إلى ذلك أنه كافأهم عند ما أتوا بالسحر بمثل مقالتهم مستفهما، فقال: ما جئتم به آلسحر؟ على قراءة الاستفهام قرضاً بوفاء على السواء، والذي يحقق لك أن الاستفهام والاخبار في مثل هذا المعنى مؤداهما واحد: أن الله تعالى حكى قول موسى عليه السلام ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ على الوجهين: الخبر والاستفهام، على ما اقتضته القراءتان، وهو قول واحد دل على أن مؤدى الأمرين واحد ضرورة صدق الخبر. وإنما حمل الزمخشري على تأويل القول بالتعييب، أو إضمار مفعول تقولون. استشكالا لوقوع الاستفهام محكياً بالقول، والمحكي أولا عنهم الخبر. وقد أوضحنا أنه لا تنافر ولا تنافى بين الأمرين، فشد بهذا الفصل عرى التمسك، فانه من دقائق النكت. والله الموفق.