للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي بين يديه: ما نزل قبل القرآن من كتب الله: يروى أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب فأخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم، فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع ما تقدّمه من كتب الله عز وجل في الكفر. فكفروا بها جميعا. وقيل: الذي بين يديه يوم القيامة. والمعنى: أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله تعالى، وأن يكون لما دلّ عليه من الإعادة للجزاء حقيقة، ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسوله عليه الصلاة والسلام أو للمخاطب وَلَوْ تَرى في الاخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحادثة ويتراجعونها بينهم، لرأيت العجيب «١» ، فحذف الجواب. والمستضعفون: هم الأتباع، والمستكبرون: هم الرءوس والمقدّمون.

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]

قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)

أولى الاسم أعنى نَحْنُ حرف الإنكار، لأنّ الغرض إنكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن الإيمان، وإثبات أنهم هم الذين صدّوا بأنفسهم عنه، وأنهم أتوا من قبل اختيارهم، كأنهم قالوا:

أنحن أجبرناكم وحلنا بينكم وبين كونكم ممكنين مختارين بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بعد أن صممتم على الدخول في الإيمان وصحت نياتكم في اختياره؟ بل أنتم منعتم أنفسكم حظها وآثرتم الضلال على الهدى وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهى، فكنتم مجرمين كافرين لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا. فإن قلت: إذ وإذا من الظروف اللازمة للظرفية، فلم وقعت إذ مضافا إليها؟ قلت: قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره، فأضيف إليها الزمان، كما أضيف إلى الجمل في قولك: جئتك بعد إذ جاء زيد، وحينئذ، ويومئذ، وكان ذلك أو ان الحجاج أمير، وحين خرج زيد. لما أنكر المستكبرون بقولهم أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ أن ذلك بكسبهم واختيارهم، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم، كأنهم قالوا: ما كان الإجرام من جهتنا، بل من


(١) . قوله «لرأيت العجيب» لعله: العجب، كعبارة النسفي. (ع)