عن قولهم إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا لأنه نسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الضلال من حيث لا يضلّ غيره إلا من هو ضال في نفسه. ويروى أنه من قول أبى جهل لعنه الله.
من كان في طاعة الهوى في دينه يتبعه في كل ما يأتى ويذر لا يتبصر دليلا ولا يصغى إلى برهان. فهو عابد هواه وجاعله إلهه، فيقول لرسوله هذا الذي لا يرى معبودا إلا هواه كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى أفتتوكل عليه وتجبره على الإسلام وتقول لا بدّ أن تسلم شئت أو أبيت- ولا إكراه في الدين؟ وهذا كقوله وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ويروى أنّ الرجل منهم كان يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ آخر. ومنهم الحرث بن قيس السهمي.
أم هذه منقطعة، معناه، بل أتحسب كأن هذه المذمة أشدّ من التي تقدّمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ولا إلى تدبره عقلا، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلال، ثم أرجح ضلالة منها. فإن قلت لم أخر هواه والأصل قولك: اتخذ الهوى إلها؟ قلت: ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأوّل للعناية، كما تقول: علمت منطلقا زيدا: لفضل عنايتك بالمنطلق «١» . فإن قلت: ما معنى ذكر الأكثر؟ قلت: كان فيهم من لم يصدّه عن الإسلام إلا داء واحد: وهو حب الرياسة، وكفى به داء عضالا. فإن قلت: كيف جعلوا أضل من الإنعام؟ قلت: لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها «وتهتدى لمراعيها ومشاربها. وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوّهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهنىّ والعذب الروى.
(١) . قال محمود: «إن قلت لم قدم إلهه وهو المفعول الثاني، وأجاب بأنه قدم عناية به كقولك ظننت منطلقا زيدا إذا كانت عنايتك بالمنطلق» قال أحمد: وفيه نكتة حسنة وهي إفادة الحصر، فان الكلام قبل دخول أرأيت مبتدأ وخبر: المبتدأ هواه، والخبر إلهه. وتقديم الخبز كما علمت يفيد الحصر، فكأنه قال: أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هواه، فهو أبلغ في ذمه وتوبيخه، والله أعلم.