للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عنهما: أنه قال للوليد: كيف تشتم عليا وقد سماه الله مؤمنا في عشر آيات، وسماك فاسقا؟

[[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٢]]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)

ثم في قوله ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها للاستبعاد. والمعنى: أنّ الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل، كما تقول لصاحبك: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعادا لتركه الانتهاز. ومنه ثم في بيت الحماسة:

لا يكشف الغمّاء إلا ابن حرّة … يرى غمرات الموت ثمّ يزورها «١»

استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدّتها. فإن قلت: هلا قيل:

إنا منه منتقمون؟ قلت: لما جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم، فقد دلّ على إصابة الأظلم النصيب الأوفر من الانتقام، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة.

[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥)


(١) .
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة … يرى غمرات الموت ثم يزورها
نقاسمهم أسيافنا شر قسمة … ففينا غواشيها وفيهم صدورها
لجعفر بن علبة الحارثي، شبه الداهية الغماء بأمر محسوس يغشى الناس ويغطيهم على طريق المكنية، والكشف تخييل وقال «ابن حرة» أى كريم، ليكون تهييجا للسامع وبعثا له على الهيجاء. والغمرة: الشدة. وغمرات الموت:
شدائده وأهواله، كأحوال المعركة الشديدة. وقوله «ثم يزورها» أى يلاقيها برغبة، كلقاء المحبوب، وعطفه بثم، لأن بين رؤية الأهوال المفزعة، وبين الانحدار إليها برغبة بون بعيد في العادة والتعقل. وشبه السيوف ممتدة متوسطة بينهم بشيء تجرى فيه المقاسمة، وتقاسمهم تخييل لذلك، ثم فرع على تلك المقاسمة أن لهم غواشيها، أى ما يغشاهم منها وهي مقابضها. أو لأنها زائدة على النصل فهي غاشية له ولأعدائه «صدورها» أى أطرافها المتقدمة منها. وصدر كل شيء: مقدمه. وعبر بفي دون اللام، لأن «في» تفيد مجرد اشتمال الأعداء على الصدور لدخولها في أجسامهم، واللام تفيد التملك وليس مرادا، وإن كان مقتضى القسمة، فلعله دفع توهمه بالعدول إلى «في» وذكرها أولا تمهيدا للثانية.