للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]

قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨)

سَنَنْظُرُ من النظر الذي هو التأمل والتصفح. وأراد: أصدقت أم كذبت، إلا أن كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ أبلغ، لأنه إذا كان معروفا بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذبا لا محالة، وإذا كان كاذبا اتهم بالكذب فيم أخبر به فلم يوثق به، «١» تَوَلَّ عَنْهُمْ تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه، ليكون ما يقولونه بمسمع منك. ويَرْجِعُونَ من قوله تعالى يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ فيقال: دخل عليها من كوّة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوّة.

فإن قلت: لم قال: فألقه إليهم، على لفظ الجمع؟ قلت: لأنه قال: وجدتها وقومها يسجدون للشمس، فقال: فألقه إلى الذين هذا دينهم، اهتماما منه بأمر الدين، واشتغالا به عن غيره.

وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٩ الى ٣١]

قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)

كَرِيمٌ حسن مضمونه وما فيه، أو وصفته بالكرم، لأنه من عند ملك كريم أو مختوم.

قال صلى الله عليه وسلم: «كرم الكتاب ختمه «٢» » وكان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى العجم، فقيل له: إنهم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم، فاصطنع خاتما «٣» . وعن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به. وقيل: مصدّر ببسم الله الرحمن الرحيم: هو استئناف وتبيين لما ألقى إليها، كأنها لما قالت: إنى ألقى إلىّ كتاب كريم، قيل لها: ممن هو؟ وما هو؟

فقالت: إنه من سليمان وإنه: كيت وكيت. وقرأ عبد الله: وإنه من سليمان وإنه. عطفا على:

إنى. وقرئ: أنه من سليمان وأنه، بالفتح على أنه بدل من كتاب، كأنه قيل: ألقى إلىّ أنه من سليمان. ويجوز أن تريد: لأنه من سليمان ولأنه، كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان، وتصديره


(١) . قال محمود: «معناه أصدقت أم كذبت، إلا أن عبارة الآية أبلغ، لأنه إذا كان معروفا بالكذب اتهم في جملة إخباره فلم يوثق به» قال أحمد: وهذا مما نبهت عليه في سورة الشعراء من العدول عن الفعل الذي هو: أم كذبت، وعن مجرد صفته في قوله: أم كنت كاذبا، إلى جعله واحدا من الفئة الموسومة بالكذب، فهو أبلغ في مقصود سياق الآية من التهديد، والله أعلم.
(٢) . أخرجه الطبراني في الأوسط من رواية محمد بن مروان. وهو السدى الصغير عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وأخرجه القضاعي في مسند البيهقي. [.....]
(٣) . متفق عليه من رواية قتادة عن أنس قال: أراد أن يكتب … فذكره.