بالشك في بيدودة جنته: لطول أمله واستيلا الحرص عليه وتمادى غفلته واغتراره بالمهلة وإطراحه النظر في عواقب أمثاله. وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحو هذا ألسنتهم، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي إقسام منه على أنه إن ردّ إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وكما يزعم صاحبه، ليجدنّ في الآخرة خيرا من جنته في الدنيا، تطمعا وتمنيا على الله، وادّعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين إلا لاستحقاقه واستئهاله، وأنّ معه هذا الاستحقاق أينما توجه، كقوله إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى، لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً. وقرئ: خيرا منهما، ردّا على الجنتين مُنْقَلَباً مرجعا وعاقبة.
وانتصابه على التمييز، أى: منقلب تلك، خير من منقلب هذه، لأنها فانية وتلك باقية.
خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ أى خلق أصلك، لأنّ خلق أصله سبب في خلقه، فكان خلقه خلقا له سَوَّاكَ عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال. جعله كافرا بالله جاحدا لأنعمه لشكه في البعث، كما يكون المكذب بالرسول صلى الله عليه وسلم كافرا
أى: لكن أنا لا أقليك وهو ضمير الشأن، والشأن الله ربى، والجملة خبر أنا، والراجع منها إليه ياء الضمير. وقرأ ابن عامر بإثبات ألف أنا في الوصل والوقف جميعا، وحسن ذلك وقوع الألف عوضا من حذف الهمزة. وغيره لا يثبتها إلا في الوقف. وعن أبى عمرو أنه وقف بالهاء:
(١) . يقول: وترميننى يا محبوبة بطرفك، أى: تشيرين إلى به. فالرمى: استعارة مصرحة، لأنه شبه إطلاق البصر بإطلاق الحجر. ويجوز أن الباء للالة، فالمرمى محذوف فسره بقوله: أى أنت مذنب، فأى تفسيرية، يعنى أن ما رمته به هو ادعاؤها أنه مذنب. وقلاه يقليه، وقليه يقلاه. وقد يقال: قلاه يقلاه بمعنى بغضه أشد البغض، ولكن أصله: ولكن أنا، فنقلت حركة الهمزة إلى النون ثم حذفت، ثم أدغمت النون في النون بعدها، وحذفت الألف الأخيرة في الرسم كاللفظ. ولو أجرى الوصل مجرى الوقف لثبتت، وقدم المفعول وهو «إياك» للاهتمام ببراءتها من فلاء وتخصيصها بذلك دون غيرها من النساء.