للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الياء والألف لالتقاء الساكنين، لأنّ الراء بعدهما ساكنة إِلَّا مَنْ رَحِمَ إلا الراحم وهو الله تعالى «١» ، أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله. أى إلا مكان من رحم الله من المؤمنين، وكان لهم غفورا رحيما في قوله إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وذلك أنه لما جعل الجبل عاصما من الماء قال له: لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم يعنى السفينة. وقيل لا عاصم، بمعنى: لا ذا عصمة إلا من رحمه الله، كقوله ماءٍ دافِقٍ وعِيشَةٍ راضِيَةٍ وقيل: إِلَّا مَنْ رَحِمَ استثناء منقطع، كأنه قيل: ولكن من رحمه الله فهو المعصوم، كقوله ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وقرئ إِلَّا مَنْ رَحِمَ على البناء للمفعول.

[[سورة هود (١١) : آية ٤٤]]

وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤)

نداء الأرض والسماء بما ينادى به الحيوان المميز «٢» على لفظ التخصيص والإقبال عليهما بالخطاب من بين سائر المخلوقات وهو قوله يا أَرْضُ، وَيا سَماءُ ثم أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل من قوله ابْلَعِي ماءَكِ وأَقْلِعِي من الدلالة على الاقتدار العظيم، وأن السموات والأرض وهذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه، كأنها عقلاء مميزون قد عرفوا عظمته وجلالته وثوابه وعقابه وقدرته على كل مقدور، وتبينوا تحتم طاعته عليهم وانقيادهم له، وهم يهابونه ويفزعون من التوقف دون الامتثال له والنزول على مشيئته


(١) . قال محمود: «المراد إلا الراحم وهو الله تعالى أو لا عاصم اليوم … الخ» قال أحمد: والاحتمالات الممكنة أربعة: لا عاصم إلا راحم، ولا معصوم إلا مرحوم، ولا عاصم إلا مرحوم، ولا معصوم إلا راحم. فالأولان استثناء من الجنس، والآخران من غير الجنس. وزاد الزمخشري خامسا، وهو لا عاصم إلا مرحوم، على أنه من الجنس بتأويل حذف المضاف، تقديره: لا مكان عاصم إلا مكان مرحوم. والمارد بالنفي التعريض بعدم عصمة الجبل، وبالمثبت التعريض بعصمة السفينة والكل جائز، وبعضها أقرب من بعض، والله أعلم. [.....]
(٢) . قال محمود: «نداء الأرض والسماء بما ينادى به العاقل … الخ» قال أحمد: ومن هذا النمط في السكوت عن ذكر الموصوف اكتفاء بصفاته لانفراده بها السكوت عن ذكر الأوصاف أحيانا، اكتفاء بذكر الموصوف لتبينه بها وتوحده فيها، وأنه متى ذكر مكانها قد ذكرت بذكره في مثل قوله وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ الآية.
والمراد: وهو الله الموصوف بصفات الكمال المشهور بها في العالمين. ومنه:
أنا أبو النجم وشعري شعري
ولقد تحيل الشعراء على التعلق بأذيال هذه المعاني اللطيفة، فقال أبو الطيب يمدح عضد الدولة:
لا تحمدنها واحمدن هماما … إذ لم يسم حامد سواكا
يعنى لا تمنح نفسك فإنك المنفرد بالممادح، حتى إذا ذكرت ولم يسم المعنى بها لم يسبق إلى ذهن أحد غيرك لتفردك بها.