للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضمير الفلك، كأنه قيل: اركبوا فيها مجراة ومرساة بسم الله بمعنى التقدير، كقوله تعالى ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ. إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لولا مغفرته لذنوبكم ورحمته إياكم لما نجاكم.

[سورة هود (١١) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)

فإن قلت: بم اتصل قوله وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ؟ قلت: بمحذوف دل عليه ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون: بسم الله، وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ أى تجرى وهم فيها فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ يريد موج الطوفان، شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها. فإن قلت:

الموج: ما يرتفع فوق الماء عند اضطرابه وزخيره «١» وكان الماء قد التقى وطبق ما بين السماء والأرض، وكانت الفلك تجرى في جوف الماء كما تسبح السمكة، فما معنى جريها في الموج؟

قلت: كان ذلك قبل التطبيق، وقبل أن يغمر الطوفان الجبال. ألا ترى إلى قول ابنه: سآوى إلى جبل يعصمني من الماء. قيل: كان اسم ابنه: كنعان. وقيل: يام. وقرأ على رضى الله عنه:

ابنها، والضمير لامرأته. وقرأ محمد بن على وعروة بن الزبير: ابنه، بفتح الهاء، يريدان ابنها، فاكتفيا بالفتحة عن الألف، وبه ينصر مذهب الحسن. قال قتادة: سألته فقال: والله ما كان ابنه، فقلت: إنّ الله حكى عنه إن ابني من أهلى، وأنت تقول: لم يكن ابنه، وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه، فقال: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب، واستدل بقوله مِنْ أَهْلِي ولم يقل: منى، ولنسبته إلى أمّه وجهان، أحدهما: أن يكون ربيباً له، كعمر بن أبى سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لغير رشدة، وهذه غضاضة عصمت منها الأنبياء عليهم السلام. وقرأ السدى: ونادى نوح ابناه، على الندبة والترثى. أى: قال يا ابناه. والمعزل:

مفعل، من عزله عنه إذا نحاه وأبعده، يعنى: وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين. وقيل: كان في معزل عن دين أبيه «يا نبىّ» قرئ بكسر الياء اقتصاراً عليه من ياء الإضافة، وبالفتح اقتصاراً عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك: يا بنيا، أو سقطت


(١) . قوله «عند اضطرابه وزخيره» في الصحاح «زخر الوادي» إذا امتد جداً وارتفع. ومنه يقال: بحر زاخر.