كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت: ما فصل بينهما بشيء، لأنّ المبدل منه صلته نزل. و (ليكون) تعليل له، فكأنّ المبدل منه لم يتمّ إلا به. فإن قلت: في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً كأنه قال: وقدّر كل شيء فقدّره؟ قلت: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية، فقدّره وهيأه لما يصلح له، مثاله: أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر المسوّى الذي تراه، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابى الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير، فقدّره لأمر مّا ومصلحة مطابقا لما قدر له غير متجاف عنه. أو سمى إحداث الله خلقا لأنه لا يحدث شيئا لحكمته إلا على وجه التقدير من غير تفاوت، فإذا قيل: خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك: أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل: وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل، فجعل له غاية ومنتهى. ومعناه: فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم.
الخلق بمعنى الافتعال، كما في قوله تعالى (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) والمعنى: أنهم آثروا على عبادة الله سبحانه عبادة آلهة لا عجز أبين من عجزهم، لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا من أفعال العباد، حيث لا يفتعلون شيئا وهم يفتعلون، لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير وَلا يَمْلِكُونَ أى: لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها أو جلب نفع إليها وهم يستطيعون، وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع التي يقدر عليها العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلا الله أعجز.
قَوْمٌ آخَرُونَ قيل: هم اليهود. وقيل: عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وأبو فكية الرومي: قال ذلك النضر بن الحرث بن عبد الدار. «جاء»«وأتى» يستعملان في معنى فعل، فيعديان تعديته، وقد يكون على معنى: وردوا ظلما، كما تقول: جئت المكان. ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل. وظلمهم: أن جعلوا العربي يتلقن