وليس ما قالوه بلازم، لأنّ القلة والكثرة تدوران مع الإضافة، فيوصف الشيء بالقلة مضافا إلى ما فوقه، وبالكثرة مضافا إلى ما تحته، فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها، إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله فهي قليلة. وقيل: هو خطاب لليهود خاصة، لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة، وقد تلوت وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فقيل لهم: إن علم التوراة قليل في جنب علم الله.
لَنَذْهَبَنَّ جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط. واللام الداخلة على إن موطئة للقسم. والمعنى: إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرا وبقيت كما كنت لا تدرى ما الكتاب ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بعد الذهاب بِهِ من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مستورا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك، كأن رحمته تتوكل عليه بالرد، أو يكون على الاستثناء المنقطع بمعنى: ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه، فعلى كل ذى علم أن لا يغفل عن هاتين المنتين والقيام بشكرهما، وهما منة الله عليه بحفظ العلم ورسوخه في صدره، ومنته عليه في بقاء المحفوظ. وعن ابن مسعود:
إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة، وليصلين قوم ولا دين لهم، وإن هذا القرآن تصبحون يوما وما فيكم منه شيء. فقال رجل: كيف ذلك وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم؟ فقال: يسرى عليه ليلا فيصبح الناس منه فقراء ترفع المصاحف وينزع ما في القلوب «١» .
لا يَأْتُونَ جواب قسم محذوف، ولولا اللام الموطئة، لجاز أن يكون جوابا للشرط، كقوله:
(١) . أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه الطبراني، وأخرجه ابن أبى شيبة وابن مردويه كلهم من طريق شداد بن معقل عن عبد الله بن مسعود وزاد في آخره ثم قرأ عبد الله وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ. [.....]