للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كمن ليس كذلك. ويجوز أن يقدّر ما يقع خبراً للمبتدإ ويعطف عليه وجعلوا، وتمثيله: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وَجَعَلُوا له وهو الله الذي يستحق العبادة وحده شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أى جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبئوه بأسمائهم، ثم قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ على أم المنقطعة، كقولك للرجل: قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف، ومعناه: بل أتنبؤونه بشركاء «١» لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض، فإذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم، والمراد نفى أن يكون له شركاء. ونحوه: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة، كقوله ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ، ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة «٢» التي ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق ذلق: أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه، فتبارك الله أحسن الخالقين. وقرئ «أتنبئونه» بالتخفيف مَكْرُهُمْ كيدهم للإسلام بشركهم وَصُدُّوا قرئ بالحركات الثلاث. وقرأ ابن أبى إسحاق:

وصدّ بالتنوين وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ومن يخذله لعلمه أنه لا يهتدى فَما لَهُ مِنْ هادٍ فما له من أحد يقدر على هدايته لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

وهو ما ينالهم من القتل والأسر وسائر المحن، ولا يلحقهم إلا عقوبة لهم على الكفر، ولذلك سماه عذابا وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ

وما لهم من حافظ من عذابه. أو ما لهم من جهته واق من رحمته.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٥]]

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥)

مَثَلُ الْجَنَّةِ صفتها التي هي في غرابة المثل، وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف على مذهب سيبويه، أى فيما قصصناه عليكم مثل الجنة. وقال غيره: الخبر تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كما تقول: صفة زيد أسمر. وقال الزجاج: معناه مثل الجنة تجرى من تحتها الأنهار، على حذف الموصوف تمثيلا لما غاب عنا بما نشاهد. وقرأ على رضى الله عنه: أمثال الجنة، على


(١) . قال محمود: «معناه بل أننبئونه بشركاء … الخ» قال أحمد: وحقيقة هذا النفي أنهم ليسوا بشركاء، وأن الله لا يعلمهم كذلك، لأنهم ليسوا كذلك وإن كانت لهم ذوات ثابتة يعلمها الله، إلا أنها مربوبة حادثة لا آلهة معبودة، ولكن مجيء النفي على هذا السنن المتلو بديع، لا تكنه بلاغنه وبراعته، ولو أتى الكلام على الأصل غير محلى بهذا التصريف البديع لكان: وجعلوا لله شركاء وما هم بشركاء، فلم يكن بهذا الموقع التي اقتضته التلاوة.
(٢) . عاد كلامه. قال: «وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها … الخ» قال أحمد: هذه الخاتمة كلمة حق أراد بها باطلا، لأنه يعرض فيها بخلق القرآن فتنبه لها، وما أسرع المطالع لهذا الفصل أن يمر على لسانه وقلبه ويستحسنه وهو غافل عما تحته، لولا هذا التنبيه والإيقاظ، والله أعلم.