للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تسعة أشهر. وعنه. الغيض الذي يكون سقطاً لغير تمام، والازدياد ما ولد لتمام بِمِقْدارٍ بقدر وحدّ لا يجاوزه ولا ينقص عنه، كقوله إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ. الْكَبِيرُ العظيم الشأن الذي كل شيء دونه الْمُتَعالِ المستعلى على كل شيء بقدرته، أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها.

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٠ الى ١١]

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)

سارِبٌ ذاهب في سربه- بالفتح- أى في طريقه ووجهه. يقال: سرب في الأرض سروبا. والمعنى: سواء عنده من استخفى: أى طلب الخفاء في مختبإ بالليل في ظلمته، ومن يضطرب في الطرقات ظاهراً بالنهار يبصره كل أحد. فإن قلت: كان حق العبارة أن يقال:

ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار «١» ، حتى يتناول معنى الاستواء المستخفى والسارب، وإلا فقد تناول واحداً هو مستخف وسارب. قلت: فيه وجهان: أحدهما أنّ قوله وَسارِبٌ عطف على من هو مستخف، لا على مستخف، والثاني أنه عطف على مستخف، إلا أن مَنْ في معنى الاثنين، كقوله:

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَاذِئْبُ يصْطَحِبَانِ «٢»


(١) . قال محمود: «إن قلت كان من حق الكلام أن يقال: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار …
الخ» قال أحمد: فمقتضى السؤال الذي أورده الزمخشري أن تكون الواو عاطفة لإحدى الصفتين على الأخرى، ومقتضى ما أجاب به أن يعطف أحد الموصوفين على الآخر، وتحتمل الآية وجها آخر: وهو أن يكون الموصول محذوفا وصلته باقية. والمعنى: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار، وحذف الموصول المعطوف وبقاء صلته شائع، وخصوصا وقد تكرر الموصول في الآية ثلاثا، ومنه قوله تعالى وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ والأصل: ولا ما يفعل بكم، وإلا كان حرف النفي دخيلا في غير موضعه، لأن الجملة الثانية لو قدرت داخلة في صلة الأول بواسطة العاطف لم يكن للنهى موقع، وإنما صحب في الأول الموصول لا الصلة. ومنه:
فمن بهجو رسول الله منكم … ويمدحه وينصره سواء
أى ومن يمدحه وينصره، والله أعلم.
(٢) .
فبت أقد الزاد بيني وبينه … على ضوء نار مرة ودخان
فقلت له لما تكشر ضاحكا … وقائم سيفي من يدي بمكان
تعال فان عاهدتني لا تخوننى … نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
أأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما … أخيين كانا أرضعا بلبان
للفرزدق، يصف ذئبا أتاه في مفازة فبات يقطع الزاد ويقسمه بينه وبينه، حال كونهما مشرفين على ضوء نار تارة وعلى دخانها أخرى، دلالة على تكرر إيقادها. وتكشر: أبدى أنيابه كالضاحك. وقائم سيفي: أى والحال أن مقبض سيفي بمكان عظيم من يدي، دلالة على الحرص والجرأة. تعال: أى أقبل إلى نتعاهد. ويروى تعش أى كل العشاء، فان عاهدتني بعد ذلك والتزمت أنك لا تخوننى: نكن مثل من يصطحبان يا ذئب. ومعنى «من» مثنى، فعاد عليه الرابط كذلك. والنداء. اعتراض بين الصلة والموصول. وأ أنت: استفهام توبيخي. وتكرير النداء فيه نوع توبيخ أيضا. وأخيين: مصغر أخوين. واللبان: لبن المرأة خاصة. شبه الذئب والغدر بتوأمين نشئا معا من صغرهما ترضعهما أم واحدة، دلالة على كمال التلازم والتآلف. وتسمية الذئب امرأ، مبنية على تنزيله منزلة العاقل المصحح لخطابه. وشبههما بالأخوين من نوع الإنسان، كما دل على ذلك لفظ اللبان، لأن التآلف فيه أكمل وأظهر منه في غيره.