الغرائز وجوب الجزاء «١» ، وأن المحسن لا بدّ له من ثواب، والمسيء لا بد له من عقاب. وقوله لِيَجْزِيَ متصل بقوله لَتَأْتِيَنَّكُمْ تعليلا له. قرئ: لتأتينكم بالتاء والياء. ووجه من قرأ بالياء: أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم. أو يسند إلى عالم الغيب، أى ليأتينكم أمره كما قال تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ وقال وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
. وقرئ:
عالم الغيب، وعلام الغيب: بالجر، صفة لربي. وعالم الغيب، وعالم الغيوب: بالرفع، على المدح.
ولا يعزب: بالضم والكسر في الزاى، من العزوب وهو البعد. يقال: روض عزيب: بعيد من الناس مِثْقالُ ذَرَّةٍ مقدار أصغر نملة ذلِكَ إشارة إلى مثقال ذرّة. وقرئ: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بالرفع على أصل الابتداء. وبالفتح على نفى الجنس، كقولك: لا حول ولا قوّة إلا بالله، بالرفع والنصب. وهو كلام منقطع عما قبله. فإن قلت: هل يصح عطف المرفوع على مثقال ذرّة، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر وزيادة، لا لتأكيد النفي. وعطف المفتوح على ذرّة بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر؟ قلت: يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلا إذا جعلت الضمير في عَنْهُ للغيب، وجعلت الْغَيْبِ اسما للخفيات، قبل أن تكتب في اللوح لأنّ إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب، على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء، ولا يزل عنه إلا مسطورا في اللوح.
وقرئ معجزين. فأليم: بالرفع والجر، وعن قتادة: الرجز: سوء العذاب. ويرى في موضع الرفع، أى: ويعلم أولو العلم، يعنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمّته. أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا مثل كعب الأحبار وعبد الله ابن سلام رضى الله عنهما. الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ … الْحَقَّ هما مفعولان ليرى، وهو فصل من قرأ الْحَقَّ بالرفع: جعله مبتدأ والْحَقَّ خبرا، والجملة في موضع المفعول الثاني. وقيل يَرَى في موضع النصب معطوف على لِيَجْزِيَ أى: وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق. علما
(١) . قوله «وركب في الغرائز وجوب الجزاء» هذا مقتضى الحكمة وإن لم يجب على الله تعالى شيء عند أهل السنة، فتدبر. (ع)