اللَّهُ مبتدأ وخبره الَّذِي خَلَقَكُمْ أى الله هو فاعل هذه الأفعال الخاصة التي لا يقدر على شيء منها أحد غيره، ثم قال هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ الذين اتخذتموهم أندادا له من الأصنام وغيرها مَنْ يَفْعَلُ شيئا قط من تلك الأفعال، حتى يصح ما ذهبتم إليه، ثم استبعد حاله من حال شركائهم. ويجوز أن يكون الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة للمبتدإ، والخبر: هل من شركائكم، وقوله مِنْ ذلِكُمْ هو الذي ربط الجملة بالمبتدإ، لأن معناه: من أفعاله. ومن الأولى والثانية والثالثة: كل واحدة منهنّ مستقلة بتأكيد، لتعجيز شركائهم، وتجهيل عبدتهم.
الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ نحو: الجدب، والقحط، وقلة الريع في الزراعات والريح في التجارات، ووقوع الموتان في الناس والدواب، وكثرة الحرق والغرق، وإخفاق الصيادين «١» والغاصة، ومحق البركات من كل شيء، وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضارّ. وعن ابن عباس:
أجدبت الأرض وانقطعت مادّة البحر. وقالوا: إذا انقطع القطر عميت دواب البحر. وعن الحسن أنّ المراد بالبحر: مدن البحر وقراه التي على شاطئه. وعن عكرمة: العرب تسمى الأمصار البحار. وقرئ في البر والبحور بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ بسبب معاصيهم وذنوبهم، كقوله تعالى وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وعن ابن عباس ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ بقتل ابن آدم أخاه. وفي البحر بأن جلندى كان يأخذ كل سفينة غصبا: وعن قتادة: كان ذلك قبل البعث، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع راجعون عن الضلال والظلم. ويجوز أن يريد ظهور الشر والمعاصي بكسب الناس ذلك. فإن قلت: ما معنى قوله لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ؟ قلت أمّا على التفسير الأول فظاهر، وهو أنّ الله قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه. وأمّا على الثاني فاللام مجاز، على معنى أنّ ظهور الشرور بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم إرادة الرجوع، فكأنهم إنما أفسدوا وتسببوا لفشوّ المعاصي في الأرض لأجل ذلك. وقرئ: لنذيقهم، بالنون.
(١) . قوله «وإخفاق الصيادين» في الصحاح: أخفق الصائد، إذا رجع ولم يصطد. (ع)