للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرئ مَنْ يَضِلُّ بضم الياء أى يضله الله فَكُلُوا مسبب عن إنكار اتباع المضلين، الذين يحلون الحرام ويحرّمون الحلال. وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله، فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم، فقيل للمسلمين: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم أو مات حتف أنفه، وما ذكر اسم الله عليه هو المذكى ببسم الله وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا وأى غرض لكم في أن لا تأكلوا وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ وقد بين لكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرّم وهو قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وقرئ: فصل لكم ما حرّم عليكم على تسمية الفاعل، وهو الله عزّ وجلّ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ مما حرّم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ قرئ بفتح الياء وضمها، أى يضلون فيحرّمون ويحللون بِأَهْوائِهِمْ وشهواتهم من غير تعلق بشريعة.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٠]]

وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)

ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ما أعلنتم منه وما أسررتم. وقيل: ما عملتم وما نويتم. وقيل: ظاهره الزنا في الحوانيت، وباطنه الصديقة في السرّ.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢١]]

وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)

وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهى، يعنى وإنّ الأكل منه لفسق. أو إلى الموصول على: وإنّ أكله لفسق، أو جعل ما لم يذكر اسم الله عليه في نفسه فسقا. فإن قلت: قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل «١» ما لم يذكر اسم الله


(١) . قال محمود: «إن قلت قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بنسيان أو عمد … الخ» قال أحمد: مذهب مالك وأبى حنيفة واه في أن متروك التسمية عمدا لا يؤكل. سواء كان تهاونا أو غير تهاون، ولأشهب قول شاذ بجواز غير المتهاون في ترك تسميته، والآية تساعد مذهب الإمامين مساعدة بينة، فانه ذكر عقيب غير المسمى عليه قوله وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وذلك إن كان عبارة عن فعل المكلف وهو إهمال التسمية، أو تسمية غير الله فلا يدخل النسيان، لأن الناسي غير مكلف فلا يكون فعله فسقا ولا هو فاسق، وإن كان نفس الفسق الذبيحة التي لم يسم عليها ولم يكن مصدرا، فإنما تسمى الذبيحة فسقا نقلا لهذا الاسم من المصدر إلى الذات فالذبيحة التي تركت التسمية عليها نسيانا لا يصح أن تسمي فسقا، إذ الفعل الذي ينقل منه هذا الاسم ليس بفسق، فإذا تمهد ذلك فاما أن يقول: لا دليل في الآية على تحريم منسى التسمية، فبقى على أصل الاباحة. أو يقول: فيها دليل على إباحته من حيث مفهوم تخصيص النهى بما هو فسق، فما ليس بفسق ليس بحرام. وهذا النظر يسند إذا لم تكن الميتة متناولة في هذه الآية. وأما إذا أثبت أنها مرادة، تعين صرف الفسق إلى الآكل والمأكول، وكان الضمير من قوله وَإِنَّهُ عائداً إلى المصدر المنهي عنه، أو إلى الموصول. وحينئذ يندرج المنسى في النهى ولا يستقيم، على أن الميتة مندرجة كاندراج المنسى، لأن الوجه الذي به تندرج الميتة هو الوجه الذي به يندرج المنسى، إذ يكون الفسق إما للأكل، وإما للمأكول نقلا من الأكل، ولا ينصرف إلى غير ذلك، لأن الميتة لم يفعل المكلف فيها فعلا يسمى فسقا سوى الأكل، والمنسى تسميتها لا يستقيم أن يسمى الذبح فيها فسقا لأجل النسيان، فيتعين صرفه إلى الأكل. ومن ثم قوى عند الزمخشري تعميم التحريم حتى في المنسى، لأنه يرى أن الميتة مرادة من الآية ولا بد، إذ هي سبب نزول الآية. والتحقق أن العام الظاهر متى ورد على سبب خاص كان نصا في السبب ظاهرا باقيا على ظهوره فيما عداه. وإذا ثبت اندراج الميتة لزم اندراج المنسى كما تقدم. وحينئذ يضطر مبيح المنسى إلى مخصص، فيتمسك بقوله عليه الصلاة والسلام «ذكر الله على قلب كل مؤمن من سمى أو لم بسم» وكان الناسي ذاكراً حكما وإن لم يكن ذاكرا وجودا، وهذا عند التحقيق ليس بتخصيص، ولكن منع لاندراج الناسي في العموم وسنده الحديث المذكور. ويؤيد بأن العام الوارد على سبب خاص وإن قوى تناوله للسبب حتى ينهض الظاهر فيه نصا، إلا أنه ضعيف التناول لما عداه حتى ينحط عن أمالى الظواهر فيه، ويكتفى من معارضته بما لا يكتفى به منه لولا السبب، وهذا البحث متطلع بفنون شتى على نكت بديعة، والله الموفق للصواب.