ونظيره إسنادهم الفعل إلى السبب، وهو في الحقيقة للمسبب هُدىً كتاب وشريعة. وعن ابن عباس: ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا قوله فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى والمعنى أنّ الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضلّ في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه.
الضنك: مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث. وقرئ ضَنْكاً على فعلى. ومعنى ذلك: أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة، فيعيش عيشا رافغا كما قال عز وجل فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً والمعرض عن الدين، مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضنك وحاله مظلمة، كما قال بعض المتصوّفة: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوّش عليه رزقه. ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة لكفره: قال الله تعالى وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وقال وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وقال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وقال اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وقال وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً وعن الحسن: هو الضريع والزقوم في النار. وعن أبى سعيد الخدري: عذاب القبر. وقرئ وَنَحْشُرُهُ بالجزم عطفا على محل فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً لأنه جواب الشرط. وقرئ: ونحشره، بسكون الهاء على لفظ الوقف، وهذا مثل قوله وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا وكما فسر الزرق بالعمى كَذلِكَ أى مثل ذلك فعلت أنت، ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة، فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر، وتركتها وعميت عنها، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك.