للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن بعضهم: أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحدا، لئلا يأمن أحد من عبيده مكره. وقيل: نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة أَيَّانَ بمعنى متى، ولو سمى به: لكان فعالا، من آن يئين ولا نصرف. وقرئ: إيان، بكسر الهمزة.

[[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٦]]

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)

وقرئ: بل أدّرك. بل ادّراك. بل ادّارك. بل تدارك. بل أأدرك، بهمزتين. بل آأدرك، بألف بينهما. بل أدرك، بالتخفيف والنقل. بل ادّرك، بفتح اللام وتشديد الدال. وأصله:

بل أدّرك؟ على الاستفهام. بلى أدرك. بلى أأدرك. أم تدارك. أم أدرك، فهذه ثنتا عشرة قراءة. وادّارك: أصله تدارك، فأدغمت التاء في الدال. وادّرك: افتعل. ومعنى أدرك علمهم:

انتهى وتكامل. وادّرك: تتابع واستحكم. وهو على وجهين، أحدهما: أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة لا ريب فيه، قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته، وهم شاكون جاهلون، وهو قوله بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ: يريد المشركين ممن في السماوات والأرض، لأنهم لما كانوا في جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع، كما يقال: بنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله ناس منهم. فإن قلت: إن الآية سيقت لاختصاص الله بعلم الغيب، وأن العباد لا علم لهم بشيء منه وأن وقت بعثهم ونشورهم من جملة الغيب وهم لا يشعرون به، فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة؟

قلت: لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب، ولا يشعرون بالبعث الكائن ووقته الذي يكون فيه، وكان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم: وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بدّ أن يكون- وهو وقت جزاء أعمالهم-: لا يكون، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به. والوجه الثاني: أن وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكم بهم، كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك! على سبيل الهزؤ، وذلك حيث شكوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك، فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته:

وفي: أدرك علمهم، وادارك علمهم: وجه آخر، وهو أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى، من قولك: أدركت الثمرة، لأن تلك غايتها التي عندها تعدم: وقد فسره الحسن رضى الله عنه باضمحل علمهم وتدارك، من تدارك بنو فلان: إذا تتابعوا في الهلاك فإن قلت، فما وجه قراءة من قرأ: بل أأدرك على الاستفهام؟ قلت: هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك من قرأ: أم أدرك. وأم تدارك، لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة. فإن قلت: فمن قرأ: