(٢) . لعمري لقد لا حت عيون كثيرة … إلى ضوء نار في يفاع يخرق تشب لمقرورين يصطليانها … وبات على النار الندى والمحلق رضيعي لبان ثدي أم تقاسما … بأسحم داج عوض لا تتفرق للأعشى يمدح المحلق- بكسر اللام- سمى بذلك لأن بعيره عضه في وجهه فبقى أثر العضة مثل الحلقة، وهو من نبى عكاظ، كان فقيرا وله عشر بنات لا يرغب فيهن أحد لفقرهن، فانعزل بهن إلى بعض المهامة فنزل به الأعشى فنحر له ناقته ولم يكن عنده غيرها وأحسن قراه. فعظم عند الأعشى، فلما أصبح واستوى على راحلته قال له: ألك حاجة؟ قال: نعم، أن تسير بذكرى في بنى عكاظ، لعل أحدا يرغب في بناتي فقد مسهن العنس. فمدحه في عكاظ فلم يلبث حتى خطبت بناته. ولاحت: لمحت وتشوفت، واليفاع: المشرف من الأرض. يخرق: أى يخترق ذلك الضوء وينتشر في الأرض. ويروى: تحرق، بالحاء المهملة، والضمير للنار. وتشب. منى للمجهول، يقال: شبيت النار أشبها شبا وشبوبا: أو قدتها. والمقروران: اللذان أصابهما القر أي البرد، وأراد بهما الندى والمحلق، يعنى أنه هو وكرمه ملازمان لنار القرى ملازمة المقرور لنار التدفؤ، وبين ذلك بقوله: وبات على النار الندى والمحلق. ويجوز أن الأعشى أراد نفسه والمحلق، لكل الأول أوقع في المدح. ومعنى كونهما عليها: أنهما على جانبيها ولأن المتدفئ يكون أعلى منها بحيث يمد يده فوقها. وعطف المحلق على الندى دلالة على أنهما متلازمان متقارنان، وبين ذلك بقوله: رضيعي لبان، وهو حال منهما، شبههما بالتوأمين دلالة على غاية التلازم حتى في الرحم بل وقبله. واللبان: لبن المرأة خاصة، وهو مضاف إلى ثدي أم، وتنوينها للافراد وإضافته له لأنه منه. ويجوز تنوينه. فثدى: بدل منه. والأسحم: الأسود الداجي المظلم، أى تحالفا كما هو رواية أيضا في ليل مظلم. أو في الرحم المظلم. وعوض: ظرف مستقبل، نصب بما بعده. لا نتفرق: جواب التحالف، وكى بذلك كله عن شدة التلازم بينه وبين الكرم.