للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدرا. خَبِيرٌ بَصِيرٌ يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغنى، ويمنع ويعطى، ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية. ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا. فإن قلت: قد نرى الناس يبغى بعضهم على بعض، ومنهم مبسوط لهم، ومنهم مقبوض عنهم، فإن كان المبسوط لهم يبغون، فلم بسط لهم: وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط، فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه، فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه «١» الآن.

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٨]]

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)

قرئ: قنطوا بفتح النون وكسرها وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أى: بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب. وعن عمر رضى الله عنه أنه قيل له: اشتدّ القحط وقنط الناس «٢» فقال: مطروا إذا: أراد هذه الآية. ويجوز أن يريد رحمته في كل شيء، كأنه قال: ينزل الرحمة التي هي الغيث، وينشر غيرها من رحمته الواسعة الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه الْحَمِيدُ المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته.

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٩]]

وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩)

وَما بَثَّ يجوز أن يكون مرفوعا ومجرورا يحمل على المضاف إليه أو المضاف. فإن قلت:

لم جاز فِيهِما مِنْ دابَّةٍ والدواب في الأرض وحدها؟ قلت: يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبسا ببعضه، كما يقال: بنو تميم فيهم شاعر مجيد أو شجاع بطل، وإنما هو في فخذ «٣» من أفخاذهم أو فصيلة من فصائلهم، وبنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعله نويس


(١) . قوله «عكس ما عليه الآن» لعله: ما هو عليه. (ع)
(٢) . أخرجه الثعلبي من طريق قتادة قال «ذكر لنا» فذكره بتمامه. ورواه باختصار عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال «ذكر لنا أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين. قحط المطر وقنط الناس. فقال:
مطروا إذن» .
(٣) . قوله «فخذ» العشائر أقلها الفخذ، وفوقه البطن، ثم العمارة، ثم الفصيلة، ثم القبيلة، ثم الشعب. فهو أكثرها. أفاده الصحاح. (ع)