بين الجنة والنار وهي أعاليه، جمع عرف استعير من عرف الفرس وعرف الديك رِجالٌ من المسلمين من آخرهم دخولا في الجنة لقصور أعمالهم، كأنهم المرجون لأمر الله، يحبسون بين الجنة والنار إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة يَعْرِفُونَ كُلًّا من زمر السعداء والأشقياء بِسِيماهُمْ بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها، يلهمهم الله ذلك: أو تعرّفهم الملائكة.
إذا نظروا إلى أصحاب الجنة نادوهم بالتسليم عليهم وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم. ونادرا رجالا من رؤوس الكفرة يقولون لهم أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ إشارة لهم إلى أهل الجنة، الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا، وكانوا يقسمون أن الله لا يدخلهم الجنة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يقال لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويعرفوهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون.
وفائدة ذلك بيان أن الجزاء على قدر الأعمال، وأن التقدّم والتأخر على حسنها، وأن أحداً لا بسبق عند الله إلا بسبقه في العمل، ولا يتخلف عنده إلا بتخلفه فيه، وليرغب السامعون في حال السابقين ويحرصوا على إحراز قصبتهم، وليتصوروا أن كل أحد يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشر، فيرتدع المسيء عن إساءته، ويزيد المحسن في إحسانه. وليعلم أنّ العصاة يوبخهم كل أحد حتى أقصر الناس عملا. وقوله وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ فيه أن صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا وقرأ الأعمش: وإذا قلبت أبصارهم وقرئ: أدخلوا الجنة، على البناء للمفعول. وقرأ عكرمة: دخلوا الجنة. فإن قلت: كيف لاءم هاتين القراءتين قوله لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ؟ قلت: تأويله: أدخلوا، أو دخلوا الجنة مقولا لهم: لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. فإن قلت: ما محل قوله: لم يدخلوها وهم يطمعون؟ قلت: لا محل له لأنه استئناف، كأن سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل:
لم يدخلوها وهم يطمعون، يعنى حالهم أنّ دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة، فلم