للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصله من سام السلعة إذا طلبها. كأنه بمعنى يبغونكم سُوءَ الْعَذابِ ويريدونكم عليه.

والسوء: مصدر السيئ: يقال أعوذ باللَّه من سوء الخلق وسوء الفعل، يراد قبحهما. ومعنى سوء العذاب- والعذاب كله سيئ-: أشدّه وأفظعه، كأنه قبحه بالإضافة لي سائره.

ويُذَبِّحُونَ: بيان لقوله يسومونكم. ولذلك ترك العاطف كقوله تعالى: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرأ الزهري (يذبحون) بالتخفيف كقولك: قطعت الثياب وقطعتها.

وقرأ عبد اللَّه: يقتلون. وإنما فعلوا بهم ذلك لأنّ الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يكون على يده هلاكه، كما أنذر نمروذ. فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ، وكان ما شاء اللَّه.

والبلاء المحنة إن أشير بذلكم إلى صنيع فرعون. والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٥٠]]

وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)

فَرَقْنا فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ: فرّقنا، بمعنى فصلنا. يقال: فرق بين الشيئين، وفرّق بين الأشياء لأن المسالك كانت اثنى عشر على عدد الأسباط. فإن قلت: ما معنى بِكُمُ؟ قلت: فيه أوجه: أن يراد أنهم كانوا يسلكونه، «١» ويتفرّق الماء عند سلوكهم، فكأنما فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما، وأن يراد فرقناه بسببكم «٢» وبسبب إنجائكم، وأن يكون في موضع الحال «٣» بمعنى فرقناه ملتبسا بكم كقوله:

تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبا «٤»


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «يحتمل أنهم كانوا يسلكون … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: فتكون الباء على هذا الوجه استعانة مثلها في كتبت بالقلم.
(٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «ويحتمل أن يكون المراد فرقناه بسببكم» . قال أحمد رحمه اللَّه: وهي على هذا الوجه سببية، كما تقول: أكرمتك بإحسانك إلى. [.....]
(٣) . قال محمود رحمه اللَّه: «ويحتمل أن يكون في موضع الحال … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: وهي على هذا الوجه للمصاحبة مثلها في: أسندت ظهري بالحائط، والوجه الأول ضعيف من حيث أن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل. والمنقول بل المنصوص عليه في الكتاب العزيز: أن البحر إنما انفرق بعصا موسى، يشهد لذلك قوله تعالى: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) ، فآلة التفريق العصا، لا بنو إسرائيل
(٤) .
كأن خيولنا كانت قديما … تسقى في قحوفهم الحليبا
فمرت غير نافرة عليهم … تدوس بنا الجماجم والتريبا
لأبى الطيب المتنبي. وتسقى: بالتضعيف، والقحوف: جمع قحف بالكسر، وقيل بالضم: وهو العظم الذي فوق الدماغ وإناء صغير من خشب. والحليب: اللبن المحلوب، أى كأنها كانت معتادة بهم فمرت عليهم مطمئنة. تدوس جماجمهم: أى رؤسهم ونحن على ظهورها. والتريب: لغة في التراب