للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصى بالوالدين: ذكر ما تكابده الأمّ وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدّة المتطاولة، إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا «١» . وتذكيرا بحقها العظيم مفردا، ومن ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: من أبر؟ «أمّك ثم أمّك ثم أمّك» ثم قال بعد ذلك «ثم أباك «٢» » . وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه بنفسه:

أحمل أمّى وهي الحمّاله … ترضعنى الدرّة والعلالة

ولا يجازى والد فعاله «٣»

فإن قلت: ما معنى توقيت الفصال بالعامين؟ قلت المعنى في توقيته بهذه المدة أنها الغاية التي لا تتجاوز، والأمر فيما دون العامين موكول إلى اجتهاد الأم: إن علمت أنه يقوى على الفطام فلها أن تفطمه. ويدل عليه قوله تعالى وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وبه استشهد الشافعي رضى الله عنه على أن مدة الرضاع سنتان، لا تثبت حرمة الرضاع بعد انقضائهما، وهو مذهب أبى يوسف ومحمد. وأما عند أبى حنيفة رضى الله عنه.

فمدة الرضاع ثلاثون شهرا. وعن أبى حنيفة: إن فطمته قبل العامين فاستغنى بالطعام ثم أرضعته، لم يكن رضاعا. وإن أكل أكلا ضعيفا لم يستغن به عن الرضاع ثم أرضعته، فهو رضاع محرم.

[[سورة لقمان (٣١) : آية ١٦]]

يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)

قرئ مِثْقالَ حَبَّةٍ بالنصب والرفع، فمن نصب كان الضمير للهنة «٤» من الإساءة أو الإحسان،


(١) . قال محمود: «فيه تخصيص حق الأم، وهو مطابق لبدايته، فذكرها في وجوب البر في الحديث المأثور» قال أحمد: وهذا من قبيل ما يقوله الفقهاء: إن اللأم من عمل الولد قبل الحلم جله، وهو مما يفيد تأكيد حقها، والله أعلم.
(٢) . أخرجه أبو داود والترمذي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال «قلت يا رسول الله من أبر؟
الحديث» وله شاهد في الصحيحين من حديث أبى زرعة عن أبى هريرة قال «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق بصحابتى؟ - الحديث»
(٣) . لعربي يحمل أمه إلى الحج، وهي الحمالة: جملة حالية، أى: كثيرة الحمل بحسب ما كان. أو من عادتها ذلك، وترضع: حال متداخلة، والدرة- بالضم: كثرة اللبن وسيلانه، والمراد بها: اللبن الكثير. والعلالة- بالضم-:
بقية اللبن، والحلبة بين الحلبتين، وتطلق على بقية جرى الفرس. والعلل: الشرب الثاني، والشرب الأول النهل:
وروى ترضعنى الدرة. والفعال- بالفتح-: فعل الخير وأراد بالوالد: الأم، أو ما يشمل الأب والأم.
(٤) . قوله «للهنة من الاساءة» في الصحاح «هن» : على وزن أخ: كلمة كناية. ومعناه: شيء، ومؤنثه:
هنة. والقماءة: الصغر والحقارة. كذا في الصحاح (ع) [.....]