للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقدم ذكر أهل الشرك قبله. وعن مجاهد: إن الخطاب للمشركين. قوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ بعد ذكر تمنى أهل الكتاب، نحو من قوله: (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) عقيب قوله: (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وإذا أبطل اللَّه الأمانى وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل، وأن من أصلح عمله فهو الفائز. ومن أساء عمله فهو الهالك: تبين الأمر ووضح، ووجب قطع الأمانى وحسم المطامع، والإقبال على العمل الصالح. ولكنه نصح لا تعيه الآذان ولا تلقى إليه الأذهان. فإن قلت: ما الفرق بين «من» الأولى والثانية؟ قلت: الأولى للتبعيض، أراد:

ومن يعمل بعض الصالحات لأنّ كلا لا يتمكن من عمل كل الصالحات لاختلاف الأحوال، وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه. وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة، وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال. والثانية لتبيين الإبهام في: (مَنْ يَعْمَلْ) فإن قلت: كيف خص الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك «١» ؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون الراجع في: (وَلا يُظْلَمُونَ) لعمال السوء وعمال الصالحات جميعاً. والثاني أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالا على ذكره عند الآخر، لأن كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم، ولأن ظلم المسيء أن يزاد في عقابه، وأرحم الراحمين معلوم أنه لا يزيد في عقاب المجرم، فكان ذكره مستغنى عنه وأما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل اللَّه هي في حكم الثواب، فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب، فكان نفى الظلم دلالة على أنه لا يقع نقصان في الفضل

[[سورة النساء (٤) : آية ١٢٥]]

وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)

أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أخلص نفسه للَّه وجعلها سالمة له لا تعرف لها ربا ولا معبوداً سواه


(١) . قال محمود: «إن قلت كيف خص الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون الراجع في: (وَلا يُظْلَمُونَ) لعمال السوء وعمال الصالحات جميعاً. والثاني: أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالا على ذكره عند الآخر، لأن كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم، ولأن ظلم المسيء أن يزاد في عقابه، وأرحم الراحمين معلوم أنه لا يزيد في عقاب المجرم، فكان ذكره مستغنى عنه. وأما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل اللَّه هي في حكم الثواب، فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب، وكان نفى الظلم دلالة على أنه لا يقع نقصان في الفضل» قال أحمد: مدار هذا التطويل بالسؤال والجواب على بث المعتقد الفاسد في أن اللَّه تعالى يجب عليه أن يثيب على الطاعات، وأن الثواب منقسم إلى واجب ليس بفضل، وإلى زيادة على الواجب وهي الفضل خاصة، وهذا المعتقد هو الذي يصدق عليه أن الشيطان مناه للقدرية، حتى زعموا أن لهم على اللَّه واجبا- تعالى اللَّه عن ذلك- إن اللَّه لغنى عن عمل يوجب عليه حقاً، جل اللَّه وعز. لقد نفخ الشيطان بهذه الأمنية في آذان القدرية. اللهم لا عمدة لنا إلا فضلك، فأجزل نصيبنا منه يا كريم