للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ، (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) أو حتى يأخذهن الموت ويستوفى أرواحهن وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ يريد الزاني والزانية فَآذُوهُما فوبخوهما وذمّوهما وقولوا لهما: أما استحييتما، أما خفتما اللَّه فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا وغيرا الحال فَأَعْرِضُوا عَنْهُما واقطعوا التوبيخ والمذمة، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب، ويحتمل أن يكون خطاباً للشهود العاثرين على سرهما، ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الإمام والحد، فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما. وقيل: نزلت الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين. وقرئ: واللذانّ بتشديد النون. واللذانّ: بالهمزة وتشديد النون.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧ الى ١٨]

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)

التَّوْبَةُ من تاب اللَّه عليه إذا قبل توبته وغفر له، يعنى إنما القبول والغفران واجب على اللَّه تعالى «١» لهؤلاء. بِجَهالَةٍ في موضع الحال أى يعملون السوء جاهلين سفهاء، لأنّ ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل. وعن مجاهد:

من عصى اللَّه فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته مِنْ قَرِيبٍ من زمان قريب. والزمان القريب:


(١) . قال محمود: «يعنى إنما القبول والغفران واجب على اللَّه … الخ» قال أحمد: وقد تقدم في مواضع أن إطلاق مثل هذا من قول القائل: يجب على اللَّه كذا. مما نعوذ باللَّه منه- تعالى عن الإلزام والإيجاب رب الأرباب- وقاعدة أهل السنة أن اللَّه تعالى مهما تفضل فهو لا عن استحقاق سابق، لأنهم يقولون: إن الأفعال التي يتوهم القدرية أن العبد يستحق بها على اللَّه شيئا، كلها خلق اللَّه، فهو الذي خلق لعبده الطاعة وأثابه عليها، وخلق له التوبة وقبلها منه، فهو المحسن أولا وآخراً وباطناً وظاهراً، لا كالقدرية الذين يزعمون أن العبد خلق لنفسه التوبة بقدرته وحوله، ليستوجب على ربه المغفرة بمقتضى حكمته التي توجب عليه- على زعمهم- المجازاة على الأعمال إيجابا عقليا، فلذلك يطلقون بلسان الجرأة هذا الإطلاق. وما أبشع ما أكد الزمخشري هذا المعتقد الفاسد بقوله: يجب على اللَّه قبول التوبة، كما يجب على العبد بعض الطاعات. فنظر المعبود بالعبد، وقاس الخالق على الخلق. وإنه لإطلاق يتقيد عنه لسان العاقل ويقشعر جلده استبشاعا لسماعه، ويتعثر القلم عند تسطيره. على أن من لطف اللَّه تعالى أن لم يجعل حاكى الكفر كافراً، ولا حاكى البدعة لضرورة ردها والتحذير منها مبتدعا. وما بلغ الزمخشري في هذا الإطلاق إلا اغتناما لفرصة التمسك على صحته بصيغة «على» المشعرة بالوجوب، فجعلها ذريعة لاستباحة هذا الإطلاق، ولم يجعل اللَّه له فيها مستروحا، فانا نقول معاشر أهل السنة قد وعدنا اللَّه قبول التوبة المستجمعة لشرائط الصحة ووقوع هذا الموعود واجب ضرورة صدق الخبر، فمهما ورد من صيغ الوجوب فمنزل على وجوب صدق الوعد. ومعنى قولنا «صدق الخبر واجب» كمعنى قولنا «وجود اللَّه واجب» لأن أحداً لا يستوجب على اللَّه شيئاً. ألهمنا اللَّه الأدب في حق جلاله، وعصمنا من زيغ القول وضلاله. [.....]